بينها أطفال داعش والسجون.. 11 ملفاً مع القاضي الأول لمحكمة الأحوال الشخصية
أكد القاضي الأول لمحكمة الأحوال الشخصية، أحمد جاسب الساعدي، اليوم السبت، أن حالات الطلاق والتفريق استشرت وأصبحت ظاهرة في العراق، وفيما أشار إلى تسجيل 4430 دعوى طلاق وتفريق في الرصافة خلال العام الحالي، كشف عن مصير أبناء عصابات داعش الإرهابي، والرأي القانوني بشأن حضانة الأم المحكومة لطفلها المولود في السجن.
اختصاصات محكمة الأحوال الشخصية
يقول القاضي الساعدي، في مقابلة إن “المادة 300 من قانون المرافعات، حددت اختصاصات محكمة الأحوال الشخصية والتي ترتبط بالزواج والطلاق والميراث وكل ما يرتبط بها من حجج ودعاوى والأوقاف والوصايا”.
وأضاف أن “هناك اختصاصات نوعية وأخرى مكانية ووظيفية للمحاكم، وبالتالي إن أقيمت دعوى لم يشر لها في متن القانون إلا انها من اختصاص المحاكم، يمكن النظر بها”.
ولفت إلى أن “النصوص القانونية ثابتة والحياة متحركة وفيها مستجدات، لذلك وجوب مواكبة النصوص القانونية تطورات الحياة، وهو عمل المشرع وليس عمل المحاكم، وبالتالي على المشرع أن يلتفت إلى أن الحياة كلما تطورت نكون بحاجة إلى تعديل القوانين وأحيانا إلغاء أو نسخ قوانين بأخرى جديدة”.
معدلات الزواج والطلاق
يقول الساعدي، عن معدلات الطلاق والزواج،:إن “حالات الطلاق والتفريق استشرت وأصبح عددها رقماً يعتد به، رغم أن العراق حالياً ليس الدولة الأولى بعدد حالات الطلاق عربياً”.
وأضاف أنه “في شهر شباط وحسب الإحصائيات، وصلت الحالات إلى 7 آلاف بين طلاق وتفريق في شهر واحد، بينما كنا في السنوات الأخيرة نسجل بين 70 و75 ألفاً بين طلاق وتفريق سنوياً”.
وتابع أن “حالات الطلاق والتفريق أصبحت ظاهرة، وعندما تستشري حالة معينة في مجتمع تسمى ظاهرة فإذا تطورت واستمكنت من المجتمع سوف تنتقل إلى مرحلة المشكلة”.
حالات الزواج خارج المحكمة
يضيف القاضي الأول، أن “المادة العاشرة الفقرة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية جرمت الزواج خارج المحكمة، وجرم الزوج الذي يجري زواجه خارج المحكمة، واعتبر هذا الفعل جريمة بدرجة جنحة، وعليه يحال من أجرى عقد زواجه خارج المحكمة إلى محكمة التحقيق ثم إلى محكمة الجنح ويحاكم على ذلك”.
وأشار إلى أن “البعض من هذه الزواجات يكون للقاصرات وحتى البالغات، ومع ذلك تتم مصادقة عقد الزواج لحماية القاصرات وعدم إضرارها فوق الضرر الواقع عليها”.
وأوضح أن “المحاكم لكي تحمي حقها تقوم بالكشف عن مدى شرعية العقد الذي حصل خارج المحكمة، وإذا وجدته شرعياً تقوم بتصديقه، ولكن تتخذ الإجراءات في حال اكتشاف وجود أمر يشكل مخالفة أو جريمة في القانون”.
الطلاق خارج المحكمة وتحجيمه
يقول القاضي الأول: إن “هناك مشكلة حقيقية تتمثل بأن أغلب حالات الطلاقات ووقائعها تحصل خارج المحكمة، وبالتالي عند الحضور إلى المحكمة ما عليها إلا أن تتثبت من شرعيتها وتقوم بتصديقها”.
وأوضح أن “الحد من حالات الطلاق يحتاج إلى تشريع للسيطرة على الموضوع، إذ إن قانون الأحوال الشخصية صادر منذ العام 1959، والمشرع فيه يجرم الزواج ولم يجرم الطلاق خارج المحكمة”.
وأردف بالقول: “من وجهة نظري وكخطوة أولى للحد من ظاهرة الطلاق خارج المحكمة، هي تجريمه كما جرمنا الزواج خارج المحكمة، مثلاً نقول إن من يطلق خارج المحكمة يعد مرتكباً لجريمة أو نفرض عليه غرامة بواقع مليون دينار على سبيل المثال، كما يمكن أيضاً وبتشريع بسيط غلق الأماكن التي يتم فيها الطلاق، ومنع الطلاق خارج المحكمة”.
وأشار إلى أن “الطلاق كظاهرة له أسباب عديدة يجب البحث عنها وعن أسباب التفريق والحد من الظاهرة، والمشرع الواعي عندما يلاحظ ظاهرة سلبية في المجتمع واحدة من أدوات الحد منها هي التشريعات، يصدر تشريعاً بالمنع أو التجريم”.
زواج القصر
يوضح القاضي الساعدي، أن “واحداً من أسباب الطلاق هو التزويج بعمر صغير يكون فيه الزوج وزوجته غير مستعدين لبناء أسرة وتحمل المسؤولية، لأن الزواج يحتاج إلى الرشد، والبلوغ يختلف عن الرشد، فالبلوغ جسدي”.
وأضاف أن “المشرع حدد سن الزواج بعمر 18 عاماً، واستثناء قال (ومن يبلغ سن 15 سنة يتزوج بإذن وليه)”، مشيراً إلى أن “كل مجتمع له خلفيات اجتماعية مؤثرة في موضوع الزواج، فمثلاً في العاصمة بغداد كمدينة حضرية نجد في المناطق الشعبية يكثر زواج القاصرين، بينما في المناطق الأكثر التي يكون فيها المستوى الاجتماعي عالياً يرفضون تزويج بناتهم بعمر صغير، وبالتالي الأمر مرتبط بالوضع الاجتماعي”.
وشدد على أن “هذه الظاهرة لا تعالج فقط بالتشريعات والمنع القانوني، بل يراد من كل الجهات المؤثرة مثل الإعلام والمساجد ومراكز البحوث والجامعات، أن تعمل على تحقيق فعالية معينة تمنع الظاهرة”.
وأوضح أن “الأم لا تستطيع تزويج البنت القاصر لأن الولاية في القانون العراقي ليست ولاية متعددة، وبالتالي لا يحق للأم التزويج كون الولاية للأب ثم المحكمة، لأن التزويج هو ولاية على النفس، وعليه تقوم المحكمة بسؤال القاصر: هل أنت موافقة مع ولايه الأب؟، حينها يتم الزواج”.
دعاوى الطلاق والتفريق
يؤشر القاضي الساعدي، “غياب الإحصاءات”، مؤكداً أنه “لا يمكن تقديم علاجات وحلول من دون إحصاءات”.
ولفت إلى أن “المحكمة سجلت 4430 دعوى طلاق وتفريق خلال العام الحالي من تاريخ 1/1/2024 ولغاية 27/3/2024، نصفها حسم والآخر قيد النظر”.
وأشار إلى أن “هذه الحصيلة في رقعة جغرافية كبيرة في الرصافة تبدأ من زيونة والغدير وتصل إلى خان بني سعد، وتضم كثيراً من المناطق الشعبية التي تكثر فيها المشاكل من جهل وفقر وغياب التعلم وأزمة السكن، والتي تسهم جميعها بظهور ظاهرة الطلاق والتفريق، فضلاً عن عدم وجود دراسة لضبط نسب وأعداد الأميين من الشباب”.
وسائل التواصل الاجتماعي ودليل تفريق الزوجين
يؤكد الساعدي، أنه “في حال ثبوت علاقات للزوجة مع رجل آخر خارج إطار الزوجية، يقع ذلك تحت مسمى (الخيانة الزوجية) لأن الرابطة الزوجية لا تسمح للزوجة وفق قيمنا وقوانيننا إقامة علاقات مع رجل آخر أو إجراء اتصالات أو إرسال صور خليعة”.
وأضاف أنه “ليست كل دعوى تتعلق بمخاطبات أو رسائل أو كروبات أو بيجات على مواقع التواصل الاجتماعية، تعد سبباً للتفريق بين الزوجين، فالمحاكم تحقق في هذا الموضوع وإذا ثبت أن هذه الاتصالات أو الدردشات فيها ما يصل إلى عنوان الخيانة الزوجية فللزوج الحق في أن يطلب التفريق”.
ونوه بأن “عنوان الخيانة الزوجية لم يرد في القوانين المدنية ولا في قانون العقوبات، فالخيانة الزوجية تكاد تكون عنواناً عاماً، وعلى المحكمة أن تتأكد من حدوث الخيانة الزوجية وفي وقتها تحكم بالتفريق، وهو صورة من صور الضرر الذي نصت عليه المادة 40”.
الخيانة الزوجية ونفقة الأبناء
يوضح القاضي الساعدي، أن “ارتكاب الزوجة للخيانة الزوجية لا يقطع نفقتها، وإنما يعطي حقاً للزوج بالتفريق منها، فإذا انقطعت الرابطة الزوجية انقطعت نفقتها، أما الأبناء ليس لهم علاقة بالرابطة الزوجية”.
وتابع أن “الأبوة تفرض إنفاق الأب على أولاده، ويتم تقدير النفقات بالإثبات، بمعنى أن المحاكم لا تقدر النفقة جزافاً وإنما تتأكد لأن الأصل بالإنفاق هو السعة والقدرة (ينفق كل ذو سعة من سعته) أي لا يوجد سقف معين للنفقة”.
وشدد على أنه “لا يجوز فرض نفقة على شخصين غني وفقير أو كاسب بمبلغ مشابه، وبالتالي موضوع تقدير النفقة مرتبط بالقدرة ولا يوجد سقف معين، مبيناً أن “هناك نفقة الإعسار البالغة 125 ألف دينار”.
وأشار إلى أنه “يجب معرفة عمر الطفل ووضعه الاجتماعي أيضاً لتقدير النفقة”.
أطفال السجون
يقول القاضي الأول لمحكمة الأحوال الشخصية، أحمد جاسب الساعدي: إن “الطفل إذا ولد داخل السجن أو في مكان آخر، يكون عند ولادته بحاجة ماسة إلى أن يكون مع أمه، فالأصل هو أن تكون الحضانة للأم ما لم تفقد شرطاً من شروطها”.
وأضاف أن “نص المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية التي تتحدث عن الحضانة وشروطها، تشير إلى أن الأم أحق بالحضانة، ولكن المعيار القانوني يعتبر دائماً هو مصلحة المحضون، لأن الحضانة وحصول الطفل على خدمة الأم أو غيرها من الحاضنين أو الحاضنات مرتبط بمصلحته”.
ونبه إلى أن “المحكمة تنتزع الحضانة أحياناً من الأم وتمنحها إلى الأب، وأحياناً العكس، وفي مرات أخرى تنزعها من الأبوين إذا ثبت أنهما غير صالحين للحضانة وتمنحها إلى الجد، فالأصح هو مصلحة المحضون، وبالتالي الطفل الذي يولد في السجن بحاجة إلى الرضاعة ولا يوجد إشكال في البقاء لحين إكمال فترة الرضاعة”.
تعديل سن الحضانة
يضيف الساعدي، أن “مجلس النواب بصدد قراءة تشريع جديد لتعديل سن الحضانة، إذا قل سن الحضانة في المشروع الجديد وأصبح 7 سنوات بعد أن كان 10 سنوات، ويمدد للضرورة إلى 15 سنة، إذ قرروا تسليمه بعمر سبع سنوات من الأم إلى الأب إذا كانت الحضانة عند الأم”.
وأكد أن “الأم أحق بالحضانة ما لم يتضرر المحضون، والأصل في الحضانة هو مصلحة المحضون، فإذا تنازع الوالدان على الحضانة وجب على المحكمة أن تبحث عن مصلحته مع من وتسلمه إلى حاضن يضمن مصلحته”.
أبناء داعش
يواصل الساعدي، حديثه قائلاً: إن “القوانين العراقية النافذة تغطي الجزء الأكبر من أطفال عصابات داعش الإرهابية، والذين أعتبرهم أنا من ضحايا الإرهاب”، مؤكداً أن “الضحايا ليس فقط من قتلوا واستشهدوا وجرحوا بل أن من ضحايا الإرهاب وظهوره في العراق ظهور هؤلاء الأبناء الذين لا يعرف نسبهم أو نسب طرف من أطراف الأبوين”.
وتابع أنه “شكلت لجنة من قبل جهات حكومية وكان القضاء مشاركاً فيها، وبينا أن التشريعات النافذة في العراق وعلى قلتها ورغم الحالة الاستثنائية التي مر بها البلد وهي حالة استثنائية من ظهور الإرهاب والقتل والسبي وغيرها، تغطي إذا عملنا بشكل مكثف الحالات المعروضة”.
وأكد أن “الحالات صعبة وتتمثل بعدم معرفة نسب الطفل لمن، فبعض الحالات تتم خلالها معرفة الأم مع غياب معرفة الأب أو العكس، وأحياناً عدم معرفة الأب والأم، وكل هذه المشاكل تستطيع التشريعات العراقية أن تحلها وتغطيها”.
ولفت إلى أن “الحل كان إذا وجد أي مولود مجهول النسب جراء هذه الأحداث بسبب داعش وتأثيراته والإرهاب، فبحسب المشرع يصدر النسب بحجة من دوائر الأحوال الشخصية، وتقوم دوائر الأحوال المدنية بتسجيله في سجلات خاصة، فيما يقول قانون البطاقة الوطنية إن دوائر الأحوال تمسك سجلات خاصة لمجهولي النسب وتم إصدار الكثير لهم، فيما تصدر المحكمة وفقاً للقانون حجة وتعطيه اسماً مناسباً وتقدر عمره وتقول إن والديه متوفيان وتعتبره عراقياً مسلماً ويسجل في سجلات دوائر الأحوال المدنية”.
وأوضح أن “بعض النساء أنجبن من دون معرفة الآباء، وبالتالي تندرج هذه الحالات ضمن الحالات الثلاث التي يعالجها المشرع”، مؤكداً أنه “لا يوجد مانع قانوني يمنع النظر بدعاوى الأم الداعشية، إذ تأخذ هي قصاصها من العقاب لكن هذا لا يمنع أن تأخذ أمورها الشرعية”.
وشدد على “وجوب التفريق بين الزواج والعمل غير الشرعي الذي قام به داعش، فالزواج يجب أن تتوافر فيه ضوابط حتى يعتبر زواجاً، لكن ما قامت به داعش هي اعتداءات وزنا”، مؤكداً أن “كل شيء بحسابه وكل حالة وعقابها، ولا يوجد قالب لكل الحالات”.
المصدر: وكالة الانباء العراقية