مع تزايد الزلازل.. خبراء يستبعدون التنبؤ بوقوعها
تشهد عدد من الدول المجاورة للعراق والإقليمية زلازل مدمرة كثرت في الآونة الأخيرة وخلفت الكثير من الضحايا كما دمرت مدنا كاملة.
ورغم أن العراق لا يقع على الخط الزلزالي بحسب مختصين، إلا أن تلك الزلازل يصاحبها هزات أرضية شهدتها عدد من المحافظات العراقية بعضها شعر بها السكان.
إلا أن السؤال الأزلي الذي يطرح نفسه من جديد: هل هناك من أمل في التنبؤ بالزلازل وتقليل حجم الدمار؟.
ففي الساعات الأخيرة، عاد اسم العالِم الهولندي المثير للجدل، فرانك هوغربيتس، إلى الواجهة مجدداً، بعد انتشار مزاعم أنه تنبأ بالزلزال الذي ضرب المغرب في ساعات الفجر السابقة.
ومع ذلك، يظل العلماء حول العالم موحدين في رأيهم بأنه من الصعب جداً، التنبؤ بحدوث مثل هذه الكوارث قبل أيام أو حتى ساعات من وقوعها.
الأمر ليس بهذه السهولة
وأوضح الأستاذ والباحث في جامعة مونبلييه، فيليب فيرنان، المتخصص في التكتونيات النشطة وخاصة في المغرب، أنه “من الناحية العلمية، يعتبر التنبؤ بهذه الزلازل مستحيلاً”، مشدداً على أنه “لا يمكن التنبؤ بأي شيء، وأن محاولاتهم تقتصر على تقدير فترات التكرار بالاستناد إلى قوة الزلازل المختلفة”.
وأضاف: “يمكن أن يكون السلوك غير متنبأ به بسبب العوامل المعقدة”، مشيراً إلى أنه “قد يحدث زلزالان قويان في منطقة ما خلال فترة قصيرة، وبعدها يمكن أن يمر وقت طويل من دون وقوع أي زلازل، وهذا يوضح تعقيد الظواهر الجيولوجية”.
المحاولات لا تنتهي
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، هناك دراسات تمت حول نشاط الزلازل في مناطق معينة وتقدير مخاطرها، ولكن حتى الآن، لم يكن هناك إمكانية لتحديد توقيت حدوث الزلازل بدقة.
بالإشارة إلى بعض الدراسات التي أشارت إلى علاقة بين وقوع الزلازل ومظاهر كالقمر البدر وحركة الكواكب.
يجدر بالذكر أن معظم المجتمع العلمي في هذا المجال ما زال يعتبر تلك النظريات غير مثبتة علمياً ويفضل الاعتماد على البحوث والأدلة الأكثر توثيقاً واعتماداً لفهم وتقدير مخاطر الزلازل.
ورغم أن الثوابت العلمية تشير إلى أن التنبؤ بالزلازل يعد مهمة صعبة جداً نظراً لعدم وجود علامات مبكرة قبل حدوثها، إلا أن هنالك دراسة أجريت بواسطة الباحثين كوينتين بلتيري وجان ماثيو نوكيه، تقدم وجهة نظر مثيرة، إذ أشارت دراستهم إلى وجود مرحلة تمهيدية من الانزلاق قبل وقوع الزلزال بساعتين في الزلازل الكبيرة.
ويمكن لهذا الاكتشاف المحتمل أن يوفر فرصة للسلطات لتقديم تحذيرات مبكرة في المناطق المعرضة للخطر.
ومع هذا، فإن هذه الدراسة تلقت انتقادات من كبار الباحثين مؤكدين أن “هذه الفرضيات تحتاج لبحوث شاملة في جميع المناطق لتأكيد صحتها، إذ تأتي طبيعة الزلازل، بسرعتها البالغة، كتحد لا يمكن التنبؤ به”.
وعلى الرغم من محاولات العلماء المستميتة للتنبؤ من خلال رصد التغيرات في الأصوات تحت السطح وزيادة النشاط الزلزالي المحتمل في المناطق المعنية ومراقبة سلوك الحيوانات، إلا أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من تحديد أي إشارات متسقة تشير إلى اقتراب الزلزال.
ما يمكن العمل به
بالنظر إلى هذا التحدي، فإن عدم وجود نمط واضح يجعل من الصعب إعداد تنبؤات موثوقة تشبه تلك المستخدمة في توقعات الطقس.
على سبيل المثال، يمكن للعلماء قياس احتمالية حدوث زلزال في منطقة معينة خلال الـ200 عام القادمة بناءً على المعايير الزمنية الجيولوجية، ولكنهم لا يمكنهم تحديد متى سيحدث بالضبط.
وعلى الرغم من ذلك، هناك جهود للتحضير والتنبيه، إذ تم تطوير نظام إنذار مبكر يسمى ShakeAlert من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يكتشف وقت وقوع زلزال كبير في مناطق مثل كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، ثم يصدر تنبيهات عاجلة عبر الإذاعة والتلفزيون والهواتف المحمولة لتنبيه السكان قبل وقوع الزلزال بثوان معدودة.
وأشار بن فان دير بلويجم، أستاذ الجيولوجيا في جامعة Michigan، فإن “20 ثانية قد تبدو وقتًا قصيرًا، ولكنها تكون كافية لاتخاذ إجراءات وقائية حاسمة، وهذا يجعل ShakeAlert خطوة مهمة للأمام في تقليل الأضرار المحتملة”.
العوامل المشتركة
وعلى مر العقود تمت دراسة العديد من الإشارات المحتملة التي يمكن أن تكون مرتبطة ببداية الزلازل، تضمنت هذه الإشارات الزيادات في تركيزات الغازات مثل الرادون والغازات الأخرى التي تنبعث من الأرض قبل حدوث الزلازل، واستناداً إلى بعض الدراسات، يُعتقد أن هذه الزيادات قد تكون ناتجة عن تحرر الغازات الناتجة عن ظروف جيولوجية معينة.
وعلى الرغم من وجود هذه الدراسات، فإن النتائج لا تزال متقدمة بالنسبة للتطبيق العملي.
ويحتاج البحث المستقبلي والتجارب الميدانية إلى تقديم مزيد من الأدلة للتحقق من صلة هذه الإشارات ببدء الزلازل وكفاءتها في تنبؤ الزلازل بشكل دقيق.
وبحث العلماء في العديد من الجوانب المحتملة للعلاقة بين الزلازل والتغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي والتغيرات الجيوكيميائية في المياه الجوفية والسلوك الحيواني غير المعتاد.
وقد أظهرت بعض الدراسات تداولات غير منتظمة في هذه العوامل قبل وقوع بعض الزلازل الكبيرة.
ومع ذلك، يبقى التحدي الكبير هو عدم تكرار هذه النتائج بشكل متسق في كل مرة.
ويمكن أن يكون ذلك بسبب تعقيدات الظواهر الزلزالية والعوامل المتعددة التي تؤثر على البيئة والسلوك الحيواني. فالتغيرات في السلوك الحيواني قد تكون ناجمة عن أسباب أخرى غير الزلازل، وهذا يجعل من الصعب تحديد علاقة سببية محددة.
هل سينفع الذكاء الاصطناعي
وبسبب التعقيدات الكبيرة في التنبؤ بالزلازل والعدد الهائل من المعايير المتداخلة، يعمل العلماء حالياً على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في هذا الصدد.
الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة وفحص الأنماط والترابطات التي قد تكون غير ملحوظة بالنسبة للبشر.
باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تعلم الآلة وشبكات العصب الاصطناعي، يمكن تحسين التحليلات والنماذج المستخدمة لتنبؤ الزلازل لكن هذه التقنيات ما زالت في مراحلها البدائية.
لم تتفاعل الصخور؟
وتحدث الزلازل عن طريق تمزق مفاجئ للصخور في باطن الأرض بفعل القوى الداخلية العميقة والضغط الذي يحدث في عمق الكوكب. تتميز الزلازل بنمط معين للهزات الأرضية، حيث تبدأ بهزات صغيرة ثم تزداد شدتها تدريجياً حتى تصل إلى الذروة، ثم يبدأ الهز هادئًا بالتلاشي.
وعلى الرغم من التقدم في فهم عمليات الزلازل، إلا أنه لا يزال من الصعب بالفعل تفسير تفاعل الصخور تحت الضغط ودرجات الحرارة العالية في الأعماق بالتفصيل.
وتختلف الزلازل من حيث حجمها وشدتها، والصعوبة في التنبؤ بالزلازل تعود جزئياً إلى عدم وجود وسيلة لتحديد متى ستصل الهزات إلى الذروة أو ما هو الحجم الأقصى للزلزال الممكن.
ما يستعمل العلم اليوم للزلازل؟
ويعتمد الباحثون حاليًا على القدرة على تحديد قوة الزلزال وموقع بؤرته في اللحظة التي تنطلق فيها عملية الاهتزاز. ومع ذلك، تمكن العلماء من تطوير أنظمة إنذار خاصة تستشعر الموجات الاهتزازية الأولية التي تنتجها الزلازل وترسل إشارات تحذيرية تبلغ السكان بقرب وقوع الزلزال في مناطق معينة، مما يتيح للسكان فرصة اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على حياتهم وسلامتهم.
الموجات الاهتزازية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يُرمز له بالرمز “P” وتتميز بسرعة انتشارها الشديدة. يعمل العلماء اليوم، بفضل التقنيات المتقدمة والمعلومات المتاحة عن التغيرات الجيوكيميائية في المياه الجوفية، على تحليل هذه الموجات الأولية “P” أثناء اقترابها من مركز الزلزال.
أما القسم الثاني من الموجات الاهتزازية، فيحمل الرمز “S” وتتسم بسرعة انتشار أبطأ، وهي المسؤولة عن الأضرار التي تنجم عن الزلازل. بفهمنا لهذه الموجات وقدرتنا على رصدها.
وحول احتمالية حدوث هزات وزلازل في العراق، أكد مدير علاقات الدفاع مدني العقيد جودت عبد الرحمن، لوكالة الأنباء العراقية، (واع)، إن “العراق لا يقع على الخط الزلزالي، وبعض الهزات الارتدادية تأتي من الشريط الحدودي الشرقي مع الجارة إيران وتكون خفيفة أغلب الأحيان ويستشعر بها المواطنون خاصة في محافظتي ديالى وميسان”.
وأضاف أن “الزلزال الذي حصل في جنوب تركيا وشمال سوريا كان ارتداده على دول عدة منها العراق”، لافتاً إلى أن “مديرية الدفاع المدني، قامت بالجاهزية والانتشار ونشر الوسائل المتعلقة بالهزات الأرضية، فضلاً عن التنسيق الآني واللحظي مع هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي للتصرف بشكل دقيق وسريع في حال حصول أي طارئ”.
المصدر: وكالة الانباء العراقية