الغضب.. سلباً وإيجاباً
حسب الله يحيى
أن تغضب؛ يعني أن تنفعل، ومن ثم يمكن أن ترتكب حماقة، وكل حماقة قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. لكن، مقابل هذا الغضب، هناك انفعال ايضا، غير أن الانفعال قد يكون حافزا، والحافز مشجعا وايجابيا كذلك. تغضب على عجل، وقد تفقد صوابك، من دون تروٍ ولا مراجعة ولا تأمل.
قد يكون مثل هذا الغضب؛ نتيجة طبيعية لخبر عاجل قد يأتيك من منافق، لغرض أو حقد في نفسه، أو تقربا اليك أو تنكيلا بالآخر، حسدا أو شماتة.
ولأنك سريع الانفعال، سريع في اتخاذ القرار، فإنك بالنتيجة تقع في المنطقة الخطأ، والنتيجة الخطأ ومن ثم يغلب الطبع على التطبع.
الحكمة تقول: أن تكون حليما في ساعة الغضب هذه، فلا تتعجل في اتخاذ القرار، وعدم حسبان للنتائج؛ عندئذ تجد أنك في موقف سلبي.
كثرة من المسؤولين ـ ولأنهم بلا تجربة ولا خبرة ولا حكمةـ يقعون في محور الغضب السلبي، غضب قد يدفع بصاحبه إلى التهلكة، والى الندم، في وقت لا يجد الندم فيه فرصة للتراجع.
كثرة من هؤلاء يحسبون أن من يوجه نقدا إلى ظاهرة سلبية، ويدين موقفا اتخذ فيه القرار على عجل ودون روية؛ يعنيهم هم بالذات دون سواهم من المسؤولين، ويكمن السبب في ذلك، إلى إدراكهم أن هذا التشخيص النقدي، موجود فيهم ومنتمٍ اليهم وخصيلة من خصالهم، في وقت لا يكون صاحب الرأي قد خصهم هم بالذات أو ذكرهم بالاسم والوظيفة، وفي هذا المقام يذكر أن الكاتب المصري الساخر: أحمد بهجت كتب مقالًا أدان فيه (عنزة) أكلت كتبه، فعدها ساخرا معادية للفكر! وما أن نشر المقال حتى تقدم عشرة من المسؤولين بشكاوٍ إلى المحاكم يعدون فيه الكاتب احمد بهجت مسيئا اليهم، ويطالبون بمعاقبته ومحاكمته وادانته وانزال القصاص به، بوصفهم هم من المسؤولين، الذين يقصدهم الكاتب وانهم يتمتعون بالحصانة ولا يصح نقدهم!
وأمثال هؤلاء العشرة، كثيرون في واقعنا الراهن، لأنهم يعرفون انفسهم انهم يعادون الفكر الآخر، ونقد الاخر وكشفه عن سلبيات موجودة في صلب حياتهم وعملهم الوظيفي، في حين قد لا يكون الكاتب يعنيهم أو يعني احدهم بعينه، لكنه كان يتحدث عن ظاهرة سلبيه مدانة، يعدها هذا الاحد أنها تعنيه، نعم تعنيه، وهو جزء من هذه الظاهرة السلبية، وعندئذ ينتابه الغضب الذي يحمل فيه حقدا وعدوانية وعنصرية، ولو تمَّ الامر له لكان من الافضل تصفية كل من يختلف معهم في هذا القرار أو هذا السلوك.
هذا هو الغضب السلبي، الذي يقع فيه بعض المسؤولين، وفيه مقتلهم وفشلهم وترديهم وزيفهم، في حين يكون الغضب أحيانا ايجابيا، كيف؟ الغضب الحليم، يستوعب الانفعال ويمتصه بالتروي والهدوء والحكمة، كيف؟ الامر يتطلب قدرا من استيعاب الحالة وتشخيصها بدقة حتى تتحول إلى غضب إيجابي.
فنحن نغضب على موقف سلبي مدان، كأن نتبين الكذب بوضوح والسرقة بوضوح والجريمة بوضوح، والفساد المالي والاخلاقي بوضوح أيضا.
هذا الوضوح الأسمى من شأنه أن يثير الغضب، لكنه يقودنا ويحفزنا إلى قرارات تليق بالمقام وبالوضوح ذاته وبالبياض بكامل نقائه؛ بالانطلاق واتخاذ القرارات الصائبة والدقيقة والحريصة من دون اي انفعال، ومن دون أن تؤدي إلى نتائج متسرعة لم ينضج فيها الصواب المطلوب والقرار الحقيقي المطلوب.
من هنا نرى ان كل المسؤولين الذين يحرصون على ألا يتعجلوا أو يعدو كل رأي أو نقد يدين ظاهرة، تعنيهم بالضرورة هم بالذات دون سواهم من البشر، إلا إذا كانوا هم فعلا ضمن هذه الظاهرة، وهذا ما يدركونه بأنفسهم لأنهم لصيقون بتلك السلبية، وقد غضبوا كعنزة احمد بهجت التي حفزت البعض على الغضب السلبي بحيث ادركوا أن الأمر يعنيهم وأنهم هم أعداء الفكر واعداء الرأي الآخر.
نعم تعنيهم، لأن كل الصفات تنطبق عليهم، وعليهم أن يراجعوا أنفسهم ويعترفوا بالخطأ ـ بوصف الاعتراف بالخطأ فضيلة ـ وإلا فإن الفضيلة سوف تدينهم وتكشف كل أوراقهم وخطواتهم السابقة واللاحقة، ليصبح المستور مكشوفا ذلك أن الأسرار عندئذ لا يمكن لها أن تظل في الكتمان.
المصدر: وكالة الانباء العراقية