بين الكلثومين
حمزة مصطفى
منذ أن غنت أم كلثوم.
مطربة العرب الكبرى, أغنيتها الشهيرة “أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني معكم” لم تقم للقضية الفلسطينية قائمة.
توالت النكسات والنكبات والتسويات، وصولا إلى “صفقة القرن” التي لا مثيل لها في العراق سوى “سرقة القرن”.
بعد تلك الأغنية التي خدرتنا كعرب والتي سبق لأغنياتها العاطفية أن لعبت “طوبة” بجيل كامل من القوميين العروبيين العرب, انشغل العرب في ما بينهم, حروبا وصراعات ومؤامرات واغتيالات إلى اللحظة التي وصلنا فيها إلى إختلاف العرب داخل الكنيست الإسرائيلي بين من يكون مع نتنياهو وبين من يكون مع غانتس أو بن غفير.
في مقالي هنا في “الصباح” الأسبوع الماضي كنت نسبت أغنية أصبح عندي الآن بندقية إلى فيروز لا إلى أم كلثوم.
“كبت العيطة” بين القراء سواء في المواقع أو في الفيسبوك وكأنني “سبيت” عنب حامد الوادي.
ترك الجميع مضمون المقال الذي محوره قيام أحد شيوخ العشائر بحرق بندقية نجله لقيامه بالرمي في زفة عرس، لينهالوا علي لوما وتقريعا بوصفي “أكبر غشيم” كوني لا أفرق بين أم كلثوم وفيروز.
ليس هذا فقط بل كوني نسبت معلقة الإغاني العربية إلى فيروز بدل أم كلثوم.
وأم كلثوم مطربة كبيرة بلا أدنى شك لكنها في الوقت نفسه خدرت جيلا عربيا كاملا، كما أشرت قبل أن تسود أغاني الردح والرداءة التي سطحت عقول أجيالنا الجديدة، خصوصا بعد لحظة سعدون الساعدي الفارقة وصمونه الذي هو عشرة بألف.
في زمن أم كلثوم ومجايليها الكبار كان العرب يضعون القضية الفلسطينية في مقدمة قضاياهم.
وبالفعل خاضوا من أجلها حروبا كانت للأسف خاسرة كلها.
ومن بين أسباب تلك الخسارات المتوالية هي اعتماد “الملخيات” العربية “شعرا ونثرا وأغاني ومسلسلات وإذاعات، بدءا من أحمد سعيد وحط إيدك”.
لم يكن الإسرائيليون كذلك, ومن يقرأ كتاب “التقصير” الذي نشر بعد حرب عام 1973 يجد كيف يفكر أعداؤنا ومتى يجلدون ذاتهم.
بصراحة هم لم يعتمدوا أبر التخدير عبر أغاني تجبرك على ترديد جملة “عظمة على عظمة ياست” ست ساعات متوالية وأنت تتلوى طربا على الإطلال أو غدا القاك أو سيرة الحب.
لا تشبه لحظتنا مع أم كلثوم سوى لحظة بني تغلب مع شاعرهم عمرو بن كلثوم صاحب “ألا هبي بصحنك فاصبحينا”.
وبن كلثوم شاعر فحل بلاشك وهو أحد شعراء المعلقات، لكن ملخياته خدرت قومه ووصلت إلى إخوة موزة، بحيث باتوا جميعا يرددون “الا لا يجهلن أحد علينا.. فنجهل فوق جهل الجاهلينا”.
أو “ونشرب إن وردنا الماء صفوا.. ويشرب غيرنا كدرا وطينا”.
وأخيرا “ إذا بلغ الفطام لنا صبي.. تخر له الجبابر ساجدينا”.