السرطان والتلوث البيئي يفتكان بجنوب العراق
رغم إدراج فقرات قانونيَّة في العقود النفطية العراقية تُجبر الشركات العاملة في جنوبي البلاد وتحديداً في البصرة، على تقديم خدمات علاجية لسكان المناطق التي يتم فيها استخراج النفط والغاز وتقديم خدمات أخرى بملايين الدولارات، إلا أنَّ ما يجنيه أهالي تلك المناطق ذات “الليالي المشعة” بالغاز المحترق من الحقول النفطية، هو السرطانات بأنواعها والتلوث البيئي الخطير والقاتل الذي يحيل مدنهم وقراهم إلى جحيم لا يطاق.
لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في مجلس النواب، تتحرّك حالياً لتطبيق القانون وفقرات إجبار الشركات النفطية الأجنبية العاملة في البصرة والجنوب، على دفع تعويضات للمتضررين من السكان جراء عمليات الاستخراج وتحسين الخدمات المقدمة إليهم وأولها الصحة والعلاج والخدمات البيئية والحياتية الأخرى، إلا أنَّ الملف يبدو صعباً والمهمة أصعب بحكم وجود “شبهات” فساد وتواطؤ محلي مع تلك الشركات النفطية الاستخراجية، وتكمن الصعوبة في هذا، بحسب اللجنة، بوجود خطوط وشبكات تسيطر على تلك الشركات.
نائب رئيس اللجنة علي المشكور أوضح أنَّ “هناك تركة كبيرة منذ عام 2007 ولغاية الآن، إذ لم تستخدم الجهات المعنية سواء كانت الوزارة أو اللجنة المختصة ما لديها من صلاحيات لخدمة الصالح العام للعراق أو في الأقل المحافظات المنتجة للنفط”.
وقال المشكور، في حديث لـ”الصباح”: إنَّ “لجان النفط في الدورات السابقة أهملت جانباً مهماً جداً؛ ألا وهو التلوث الناتج عن الانبعاثات أو النفط المستخرج، ولهذا السبب نجد الكثير من حالات الإصابة بالأمراض السرطانية في تلك المحافظات لم تنوه بها اللجان السابقة في أي قرار أو تشريع”، مشيراً إلى أنَّ “اللجنة بدأت بالتواصل مع الشركات للحد من التلوث ووضع معايير جديدة”.
ولفت النائب إلى سعي البرلمان لدفع الشركات النفطية إلى “تخصيص مبالغ لمعالجة المتضررين من عمليات استخراج النفط أو الغاز التي تقوم بها تلك الشركات داخل المحافظات المنتجة”، مبيناً أنَّ “هناك مباحثات لجعله ملزماً لجميع الشركات”.
ومع هذا فإنَّ نائب رئيس اللجنة ينوه بوجود شبكات وخطوط تسعى لتهميش الدور الرقابي على الشركات النفطية، مشدداً على وضع “آليات لتفكيك هذه الشبكات سواء كانت برلمانية أو غيرها، لإنصاف المنتج العراقي والشركات والمواطن أمام جولات التراخيص غير المنصفة للشعب والثروة النفطية التي تبدّدت”.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أنَّ “هناك مكامن للفساد في ملف المنافع الاجتماعية تمنع الشركات من استقطاع جزء من الإيرادات والأرباح لإقامة مشاريع في المحافظات المنتجة للنفط”.
المشهداني قال لـ”الصباح”: إنَّ “العقود التي أُبرمت مع الشركات الفائزة بجولات التراخيص في العام 2010 تضمنت تخصيص 5 ملايين دولار من كل شركة لتقديم الخدمات لأبناء المحافظات المنتجة كالمراكز الصحية والترفيهية والمستشفيات والمؤسسات التعليمية”.
وبين الخبير أنَّ الشركات “تعرضت لضغوط ومضايقات من بعض رؤوس الفساد لإحالة تلك المشاريع إليهم، ما حدا الشركات على الامتناع عن إقامة تلك المشاريع لأنَّ سمعتها أكبر من أن تشارك الفاسدين في هذا الملف”.
وتابع المشهداني أنَّ “تلك المبالغ يجب أن يُخصص جزء منها لمعالجة أوضاع العاطلين في المحافظات الذين استولت تلك الشركات على أراضيهم، خاصة أنَّ الحكومة وعدتهم بأراضٍ في أماكن أخرى وتعيين أبنائهم في تلك الشركات، إلا أنَّ ذلك لم يتحقق”.
ووصف الخبير الاقتصادي موضوع التلوث الكبير في تلك المحافظات بـ”المهم”، وأضاف أنَّ “هناك سحابة كثيفة من الغيم الأسود تخيم فوق مناطق الجنوب بسبب حرق الغاز في تلك الحقول ما يؤثر سلبياً في أبنائها”.
وأوصى الخبير مجلس النواب بـ”متابعة الموضوع بدقة، مع فتح هذا الملف خدمة لأهالي المحافظات المنتجة والضرر الكبير الذي وقع عليهم بانتشار الأمراض السرطانية والتلوث البيئي”.
المصدر : جريدة الصباح