الأثر التنويري للجامعات
خالد خليل هويدي
تميل أغلب الجامعات العريقة إلى تبني عدد من المشاريع البحثية والكتابات التي تُفصح عن هويتها وطبيعة منهجها البحثي، وطبيعة توجهها المعرفي من طريق ما تنشره، من كتب وأبحاث ودراسات، على مستوى التأليف والترجمة.
لكنّ الملاحظ أن هذه الوظيفة البنيوية والمهمة قد تخلّت عنها الجامعات العراقية، وعزفت عزوفا تامًا عن المشاركة في طباعة الكتاب العلمي، وتنازلها عن واحدة من أهم وظائفها المعرفية، التي تعكس طبيعة اتجاهات البحث العلمي في تشكيلاتها، على الرغم من امتلاكها مطابع تاريخية مهمة.
للأسف أقول إن أغلب الجامعات في العراق تخلّت عن طباعة الكتب العلمية، ذلك التقليد الذي يعكس مستويات البحث العلمي في كلياتها ومراكزها البحثية، واقتصرت مطابعها على طباعة الدفاتر الامتحانية وكتب المخاطبات الرسمية، متناسية وظيفتها التنويرية التي تعدّ طباعة الكتاب العلمي واحدة من أهم ملامحها وركيزة مهمة من خطابها المعرفي.
لقد كان هذا التقليد حاضرًا في مختلف الجامعات العراقية، وقد ألِفَ جيلنا عبارة (ساعدت جامعة بغداد/ البصرة/ الموصل على طباعة هذا الكتاب).
في العالم المتحضر ترتفع قيمة الكتاب العلمية إذا كان صادرا عن جامعة معروفة؛ لأن ذلك يشير إلى خضوع هذا المطبوع لمراجعات علمية، وتدقيقية ومنهجية يفتقر إليها ربما الكتاب الصادر عن دار نشر تتوخى الربح على حساب النوع.
هذا التقليد موجود في المغرب، تلك الدولة ذات الموارد المحدودة، ففي كلية الآداب جامعة محمد الخامس توجد هنالك مؤسسة معنية بمنشورات أساتذتها والرسائل المتميزة التي تناقش في الكلية، وهي مطبوعات تنطوي على قيمة علمية راقية، وتباع بأسعار تنافسية.
أقول هل يصعب على الجامعة إصدار مجموعة من الكتب العلمية، بمختلف ميادين المعرفة كل سنة؟.
هل يستحيل على الجامعة عبر لجان علمية انتخاب عدد من الرسائل المتميزة لتقوم بطبعاتها ونشرها، وتوزيعها بطريقة احترافية، ومن ثم إثبات حضورها المعرفي، والمشاركة في معارض الكتب العلمية؟ فالباحث لا يجد مكتبة تابعة لجامعة تُشارك في معارض الكتب التي تُقام في العراق.
هل يمكن أن نتخيل مطابع عظيمة تعود لجامعات مهمة يقتصر دورها على طباعة الدفاتر الامتحانية؟.
لو أن الجامعة في كل سنة تختار كتابًا مؤلفًا أو مترجمًا لعدد من أساتيذها لأسهم ذلك كثيرا في إعادة الاعتبار العلمي لها بعد أن تنازلت عنه لعدد من دور النشر، التي يضع بعضها شروطا مرهقة على المؤلف لطباعة
كتابه.
هل تعلم الجامعة أن هنالك دورا نشر عربية مهمة تنتظر كتابات وترجمات عدد من الأساتذة العراقيين لتقوم بتلقفها وطباعتها؛ لقيمتها المعرفية، ولأنها تطرق موضوعات غاية في الجدة
والحداثة؟
للأسف أقول إن الجامعات العراقية لا تشتري الكتاب.. ولا تطبعه.
ولا تدعم من يؤلِّف من أساتذتها!
فما الذي تبقى لها إذن ياترى؟!.
المصدر : وكالة الانباء العراقية