لمّ الشمل الوطني
عباس الصباغ
لا يختلف اثنان على أن العراق بوضعه الحالي والتحديات، التي تكتنفه والانعطافات الحادة والحرجة التي يمر بها، فهو لا يمر بظروف طبيعية، فحالة الانسداد والاحتباس السياسي الذي يعيشه المشهد السياسي العراقي، يفرض على واقع الحال أن يكون العراق بأمسّ إلى لمّ الشمل الوطني سياسيا/ مجتمعيا اكثر من أي وقت مضى من تاريخه المعاصر، ويجب إعادة الانسجام والودّ إلى عناصر طيفه السياسي المتشرذم والمتشظي، وإلى عناصر نسيجه المجتمعي الذي يعاني من تهلهل واضح.
فالدعوة في لمّ الشمل مزدوجة لتشمل الصعيدين كليهما، سواء على مستوى المجتمع السياسي، الذي هو جوهر العملية السياسية القائمة والجارية، أو على مستوى المجتمع الأهلي، الذي هو عماد الفعاليات المجتمعية والخاصة بالسلم الأهلي، فالمجتمع الأهلي هو جوهر المجتمع السياسي ومادته وهو أحد الأركان، التي تقوم بها الدولة، والدعوة الموجهة هي ليست كلامية (حبرا على ورق ) أو تحسب على الترف الفكري والتزويق الدعائي والترويجي لبعض وسائل الاعلام بل، ويجب أن تقترن الأقوال فيها مع الأفعال، وتترجم إلى حقائق ملموسة لمس اليد، ببرامج وفعاليات واضحة، لكون واقع المشهد العراقي يعيش ظروفاً قاسية وحرجة، اذ ما زال الريع وتذبذب أسعار النفط، الذي يعتمد عليه الاقتصاد العراقي بشكل شبه كامل يشكّل مصدرا قلقا للموازنات المالية، بينما ما زالت الدعوات إلى تنويع مصادر الدخل القومي والابتعاد عن احتكار النفط له، ومن ثم الدخول إلى اقتصاد السوق دعوات خجولة جدا، في وقت يشهد الوضع الأمني ارتفاعا ملحوظا في مناسيب الإرهاب، الذي تقترفه فلول داعش الذي لم ينته بمجرد التحرير من دنسها، يرافق ذلك الموقف البيئي، الذي ما زال لا يبشر بخير وتفشي الأمراض الفتاكة كـ “كورونا وجدري القرود والحمى النزفيَّة” وغير ذلك، إضافة إلى الجفاف غير المسبوق (حروب المياه التي تشنها دول المنطقة)، وقلة الأمطار والتصحر ما ادى إلى هبوب العواصف الترابية المتتالية… إلخ.
ومجتمعيا تفشي حالات العنف الأسري التي أصبحت اخباراً معتادة في وسائل الاعلام التي تتردد فيها أخبار مرعبة عن تعنيف أسري، يصل إلى درجة القتل والطلاق لأسباب تافهة جدا.
وكل تلك الأسباب وغيرها صارت تؤثر بشكل سلبي في الواقع الخدمي والمعيشي، وحتى النفسي على عموم المواطنين، الذين يعانون من شظف العيش وشح الخدمات، والقلق من تدهور الوضع السياسي الراهن والانزلاق نحو حرب أهلية محتملة، في حالة عدم الوصول إلى وئام وطني عام، تجمع الفرقاء السياسيين في بودقة وطنية جامعة، بدلا من الانشطار الذي جعلهم يعيشون في ظل شعار (كل حزب بما لديهم فرحون )، ساحبين الشارع العراقي المكتظ بالمعاناة والذي تحول هو الآخر إلى كانتونات يضرب بعضهم وجوه بعض.