مستشارون يُرهقون كاهل الدولة «بلا فائدة»
عبر المنفعة الشخصيَّة المتبادلة والمحاصصات بأنواعها “الحزبيَّة والطائفيَّة والقبليَّة” المقيتة وعشرات من البوابات الأخرى، تسلّق آلاف الأشخاص ليتسنموا مناصب رفيعة كـ”مستشارين” و”خبراء” في الدولة العراقية المبتلاة، وقد كشفت مراسلات رسمية لعدة دوائر محلية عن وجود مئات المستشارين وتضجّ بمثل أضعاف أعدادهم وزارات ودوائر الدولة وهيئاتها ورئاساتها، متمتعين بامتيازات المنصب من أموال وهويات وسيارات ومزايا أخرى لا يعلمها إلا الله، دون أنْ يكون لوجودهم أيُّ فائدة تذكر، ليصدق عليهم القول إنها باتت “مهنة من لا مهنة له”.
بهذا الشأن، قال عضو لجنة النزاهة النيابية، طارق الخيكاني في حديث لـ”الصباح”: إنَّ “العراق بعد سقوط النظام المباد عانى ترهلاً كبيراً في أعداد المستشارين والخبراء الذين لا يُعطون استشارةً مفيدةً واحدةً طيلة فترة وجودهم في المنصب، بل إنهم يعدون الوظيفة المستشارية مجرد غنيمة لاستحصال الهويات والأموال والسيارات”.
وأوضح أنَّ “هناك المئات بل الآلاف من المستشارين (الطوعيين) الذين لا يمتلكون السند القانوني الذي يُتيح لرئيس هيئة أو وزير أو من هو بدرجته تنصيب مستشار طوعي، فهو غير موجود في القانون بينما هم يمتلكون هويات ومخصصات، لذلك ندعو لأنْ يكون المستشارون بحسب الحاجة، وحتى الوزارات المختصة يجب أن يكون فيها مستشار واحد أو اثنان”، مضيفاً، “إلا أنَّ ما نراه في الوقت الحاضر بأنَّ الوزارة والجهة غير المرتبطة بوزارة وكذلك الرئاسات، تضم أعداداً ضخمة من المستشارين، وهم في الواقع مجرد أسماء بغير الاختصاصات المطلوبة، وبعضهم يمتلكون الشهادة الجامعية الأولية، أي البكالوريوس فقط”، متسائلاً: “كيف يكون هذا مستشاراً وهو يحمل الشهادة الأولية فقط؟!”.
وطالب الخيكاني جميع الرئاسات والوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بأنْ “تراجع عملها وأعداد مستشاريها ونوعيتهم، فالمهمّ النوعية وليس الكمية”، مؤكداً أنَّ “الأعداد المتزايدة من المستشارين تزيد من إرهاق كاهل الدولة والميزانية، في وقت نحن ندعو فيه إلى ترشيق وتقليل المصروفات”.
وبيَّن أنَّ “هناك توجهاً كبيراً من قبل مجلس النواب في مراجعة هذا الملفّ، فهو من الملفات المهمة التي يجب أنْ تناقش لمعرفة أعداد المستشارين في الدولة العراقية، بالرغم من أنَّ بعضهم يمتلكون رواتب تقاعدية، والحسابات الحزبية والسياسية ساعدت على وجود هذه الأعداد الكبيرة من المستشارين في المؤسسات”.
المختص في الشؤون السياسية، الدكتور حيدر سلمان، قال في حديث لـ”الصباح”: إنَّ “وظيفة مستشار الهيئة أو الوزارة لم تكنْ مشاعة قبل عام 2003، إذ لم نكنْ نسمع عنها أو نعرفها وعندما كنا نسمع بها في دول الخارج يتراءى لنا أنَّ أنظمتهم متفوقة علينا، وبعد عام 2003 شهدنا تصاعداً في عدد المستشارين، وكنا نتصور أنهم درجات خبرة وأنهم أناس ذوو قدرات كبيرة تسخر لهم القوانين ليُظهروا ما يتفوقون به، ومع مرور الوقت وجدنا أنَّ بعضهم لا يفقه شيئاً مما جيء به أصلاً للعمل من أجله”.
وأشار إلى أنَّ “الكثير من المستشارين للمحافظين والرئاسات الثلاث هم ممن خسر الانتخابات فتم تسويقه وإعادته من باب (الاستشارات) وأغلب من نتحدث عنهم هم طبقة الفاشلين، علماً أنَّ هناك طبقة ناجحة وجيدة ووجودها مهم في ما يشغله ويعمل برأيه”.
ورأى سلمان أنَّ “من الضرورة الحتمية تقنين الأمر وجعله ضمن سياقات ومراقبة للأداء وليس لكل من هب ودب”، موضحاً أنه “ما زلنا نتذكر كيف وضع أحد الرؤساء بعد 2003 بناته مستشارين للرئيس، والأمثلة كثيرة وليست حصرية مع تفشي الكتب الأخيرة عن أعداد مستشارين كثيرين لمحافظي تكريت وبابل”.
المصدر : حريدة الصباح