هنا وفي بلدان العالم
حسب الله يحيى
في كل حدث جلل، وفي كل خطأ جسيم وعند كل جريمة فساد مالي أو أخلاقي، وفي كل مظهر سلبي، وأمام كل كارثة أو ظاهرة سلبية، وفي كل مرة تنتشر فيه الجريمة والمخدرات والأمراض، وفي كل خراب أو دمار أو مرض أو فاقة أو فوضى..
في كل هذه الحالات التي لا حال لها؛ ينبري عدد من (المحللين السياسيين) وسواهم إلى محاولة اقناع الناس، بأن ما جرى ليس حالة استثنائية انتشرت في العراق من دون سواه من بلدان العالم، وعلى وجه الخصوص البلدان المتحضرة والمتقدمة والمنتعشة اقتصاديا وفي كل أساليب الحياة..
ولم يبادر أحد من بين هؤلاء (المحللين) للمقارنة بين حياة الرفاهية، التي تعيشها شعوب تلك البلدان وما يعيشه ويعاني منه شعبنا، على الرغم من أن الكثير من البلدان السعيدة، بلدان زراعية أو تعيش على ما تدره السياحة من أموال.
بل هم على العكس من ذلك يتجاهلون الواقع المتقدم والسعيد والمرفه، الذي تعيشه تلك البلدان، ويركزون جل همهم للمقارنة بين جريمة نادرة جدا حدثت هنا أو هناك من بلدان العالم؛ وبين سلبيات وجرائم وفساد يحدث ويتكرر ويمتد ويتسع في العراق، خلال أيام وربما خلال ساعات..
وهذه المقارنة تدل أما عن التغافل العمد أو الجهل السقيم الذي تعيشه تلك الشخصيات، التي لا شخصية لها.. ذلك ان العالم يتجه لتحقيق الامن والرفاهية للبشرية، واذا ما حدث طارئ؛ فإنه يطوق على عجل ويتم الكشف عنه ومحاكمة الجناة وادانتهم على وجه السرعة.. مهما كانت هوية المرتكب.
كما أن تلك البلدان التي تحترم الانسان لا تقوم بفرض الضرائب وجباية الأموال من الشعب ورفع الأسعار، لغرض زيادة دخل الحكومة وبشكل عشوائي أو مزاجي أو رغبات مؤقتة في حملات محمومة وسريعة ثم تتوقف.
إن تلك البلدان التي تحترم الكائن البشري، إنما تحترم حقوقه وارادته، كما تضمن له عدالة القضاء، والضمان الصحي والاجتماعي والتعليمي، وتقدم له العديد من الخدمات وتوفر له كل سبل الراحة.. ثم بعدئذ تأخذ مقابل كل ما قدمته.. الضرائب وعلى وفق أسس وقوانين وتعليمات منضبطة.. مما يجعل المواطن يدفع (الفاتورة) بصدر رحب.
إن الحكومات الخدمية، يفترض ان توفر للمواطن الماء والكهرباء والغاز والمواصلات والغذاء، وحتى الأجواء المنعشة والبيئة الصحية والمناظر الخلابة وكل أساليب الترفيه والمتعة وهو الأمر، الذي لا يجعل الشعب يحس بالغبن وانما تؤخذ الضريبة والجبايات منه قسرا ودون وجه حق، في حين يمكن له أن يدفع بطيبة قلب وقناعة تامة وإلزام بالمواطنة، التي تحترم القوانين عندما يجد ان الحكومة قدمت له مقابل ما أخذته.
الامر يبدو معكوسا في العراق، حيث لا نجد أي مظهر من مظاهر التمدن وأداء الواجبات الخدمية الحكومية، من دون تقديم حتى الاحترام في التعامل مع المواطن عند مراجعته للدوائر الرسمية، حيث يتم التعامل معه بطرق تعسفية ومهينة ومطالبة مكشوفة لتقديم الرشى .المواطن العراقي يدفع.. يدفع دائما وعلى وفق أساليب شتى، من دون أن يجد أي واجب من واجبات الحكومة قد تم تنفيذه بشكل صحيح ومتقن!.نعم.. بلدان العالم تبني مجتمعات سكنية وأسواقا مركزية ومشاريع كثيرة.. ولكنها لا تجرف الأراضي الزراعية، وبلدان العالم تحاكم من يخالف النظام، ويسيء إلى المواطنين ويبتزهم ويستغفلهم، سواء في رفع الأسعار أو الاعتداء على الاخرين أو اغتصاب ممتلكاتهم أو تجاوز على أراضيهم وشوارعهم وبيوتهم ومعتقداتهم.
نحن نعرف موطن الخلل، كما نعرف كل مدان على وفق قضية معينة.. لكنه يعفى تحت ذريعة دفع جزء من المال، الذي سرقه أو بسبب شيخوخته.. بعد ان نسق امره مع فئات وشخصيات مختلفة!. في حين نجد أن كثرة من بلدان العالم لا توجد فيها وزارات للكهرباء وللبيئة وللري وللزراعة وللمياه وللتجارة.. وهي لا تعاني من شح المياه ولا تقدم مواد غذائية رديئة لمواطنيها، كما لا يوجد في العالم وزارة للهجرة والمهجرين ومع ذلك لا يوجد فيها الا ندرة من الناس ممن يهاجرون إلى بلدان أخرى.
نعم.. هناك بطالة في العالم ولكنها ضئيلة جدا نسبة إلى ما هو عندنا، وهناك فساد وجريمة وتزوير شهادات، ولكنها لا تقاس على ما نحن فيه من حالات مدمرة..
وبلدان العالم تتعامل بالمثل وتستورد وتصدر كذلك..اما نحن فمن دون خلق الله ندع كل البلدان تتدخل في شؤوننا الداخلية والخارجية.. بل ونرحب باستيراد المواد الرديئة وبأثمان مرتفعة على حساب المواطن، الذي يعاني ما يعانيه من ضغوط وازمات اقتصادية ونفسية عديدة.
في العالم يتقاضى المواطن راتبه على وفق شروط وشهادات تؤهله لاستلام الراتب الذي يستحقه وليس على ولاءات، هي التي تحدد امتيازاته ورواتبه وحماياته بشكل غير مسبوق في العالم.
كل الأمور في بلادنا تحيا بشكل مقلوب وعلى هامش الحياة.. ومع ذلك، هناك من يزعم ان ما يجري عندنا موجود ومعمول به في كل بلدان العالم!.
المصدر: وكالة الانباء العراقية