أخطار مروريَّة
ميساء الهلالي
تنقر الشمس على جبهته السمراء صيفا.. وتبلّل الأمطار قميصه الأبيض شتاءً.. ويقف صامداً يستقبل طوال النهار والليل ضوضاء الطرق.. يعد السيارات فلا يتمكن منها ويحصي أرقام المخالفات حتى يكل من الكتابة.. إنّه شرطي المرور.. المهنة التي أعتبرها شخصياً الأخطر والأكثر إرهاقا.. فأن تتعامل مع البشر في محيطك الوظيفي بحد ذاته أمر متعب، فكيف بك وأنت تتعامل مع آلاف السيارات يومياً والتي يقودها مختلف الأشخاص على اختلاف شخصياتهم وتربيتهم وانتماءاتهم.. كم يحتاج شرطي المرور من الطاقة ليتحمل كل ما يمر به من مواقف يوميّة وغالباً ما يعتبره السائق متعدياً عليه ويتعمد إيذاءه ولا يعترف بالمخالفة.. كم منا يقود سيارته ويلتزم بقوانين المرور.. بالتأكيد لو قمنا بإحصاء ذلك لوجدنا السوالب ظاهرة أو ربما أعشار من الأرقام هم من يلتزمون بقوانين المرور بعضها وليس جميعها.. في الوقت الذي نرى أغلب سائقي المركبات في الدول الأخرى يلتزمون بالقوانين والأسباب تعود إلى تطبيق القوانين بحذافيرها وشمول تلك القوانين للجميع على حد سواء، فلا تميز بين مسؤول وابنه أو امرأة ذات سلطة وسواها… وهذا للأسف ما نشهده يومياً من خلال ما نشاهده على مواقع التواصل من مقاطع مصورة لمواطنين يعتدون على رجال المرور.. امرأة تهدد بمعارفها (الواصلين) وآخر يعلن بأنّه ابن المسؤول الفلاني وثالث يدهس رجل المرور بسيارة مظللة بكل دم بارد وهي الحادثة الأكثر شهرة والتي حدثت قبل فترة قصيرة.. وغيرها من الحوادث والمواقف التي نسمع عنها يوميا ويواجهها شرطة المرور وتعتبر تحديا حقيقيا أمام الشارع المتأزم ازدحاما وبنية وأعدادا غير طبيعية للسيارات.. ففي العاصمة بغداد وحدها تتحرك ملايين السيارات في شوارع رئيسية لم يعاد تعبيدها منذ تسعينيات القرن الماضي أو تلك التي عبدت من جديد تحت شعار الإعمار لتتكسر مع قسوة ليلة ممطرة أو خلال مرور شاحنة ثقيلة.
تحديات صعبة وإدارة شبه مستحيلة يواجهها سلك شرطة المرور في العراق.. ولا حل لها سوى أن تكون الحكومة حازمة بقراراتها من دون تمييز من خلال دعمها لهذا القطاع المهم وفرض غرامات حقيقية وتفعيل دور شرطة المرور في جميع التقاطعات حتى المنزوية منها وزرع الكاميرات في جميع الطرق.. فنحن شعب لا يعترف بالقوانين بل يعترف بمبدأ التخويف ونحتاج إلى هذا التخويف ليستقيم عمل شرطة المرور.