حلم التغيير المُؤَجَل
رعد أطياف
يجد الإنسان نفسه محاطاً بهذه الحاجات الثلاث: المأكل والملبس والمأوى. ومن هذه الثلاث يتحرّك التاريخ عبر صراعات لاهوادة فيها .
إنَّ الإنسان لا يفكر بأمرٍ آخر إن لم تتوفر هذه الشروط الثلاثة، وإن فكر فهو مدفوع بهذه الحاجات! وقد تكون كل أفكارنا هي انعكاس لهذه الحاجات الضرورية.
إن غاية الشعب في نهاية المطاف توفير حاجاته الأساسية التي تؤَمّن له الاكتفاء الكامل، ليهنأ بالعيش الكريم بعيداً عن التفاوتات الحادة التي تدخله في دوامة من الأعطاب النفسية والاجتماعية.
نخلص من هذه المقدمة إلى نتيجة مؤداها: إن كل حراك سياسي ما لم يأخذ بنظر الاعتبار تغيير الظروف الاجتماعية، فهو لا يختلف عن القصيدة الرومانسية بشيء.
أو في أفضل حالتها تنميقاً أدبياً يضفي حالة من الافتتان بالذات. فكلما كانت الأفكار ناظرةً للكيفية التي نحصل من خلالها على تأسيس مفاهيم نستخلصها من الواقع، ووضع الحلول اللازمة للتغير كنّا للحلول الواقعية أقرب. وما عداها مهما كانت قوة التنظيم السياسي فهو يقف على أرضية هشّة.
وبهذا يغدو الفكر فكراً قائماً على الواقع الحقيقي لا أن يقوم على عالم المثل والخيالات الجامحة، ما يحدث غالباً، في ثقافتنا بالذات، إن الأفكار تسهم في تجديد الوعي الفردي فقط، لكنّها لا تسهم في تجديد الواقع الاجتماعي، ولا تمتلك الأدوات اللازمة لذلك. إنها عملية صرفة لتأويل الوعي وتجديده معرفياً غير أنها لا تساهم في فهم الواقع الاجتماعي وكيفية تغييره.
فنقع في أمنيات حالمة لا جذور لها في تربة المجتمع: نهضم الأفكار جيداً وننسى ظروفها الاجتماعية التي نبَتّتْ فيها.
نتحوّل إلى روبوتات تحاكي ما تحفظه تماماً لكنها لا تفهم كيفية إصلاح أعطابها.
في هذه الحالة ينشطر الوعي ويغترب وتبقى حلوله رهينة بأفكار متعالية عن الواقع.
لا يمكن الانتظار من الديمقراطية حلولاً سحرية تفتقر إلى ديمقراطيين حقيقيين! ولا يمكن التعويل على العلمانية كمصباح علاء الدين السحري، لأنه لا ضرورة منطقية بين الرفاه والعلمانية.
كما لا ضرورة منطقية بين الديمقراطية والتغيير ما لم تكن ممارسة ديمقراطية حقيقية، في مجتمع يتحكّم به بشكل عام قانون القبيلة هو أحوج لتغيير الظروف الاجتماعية منه إلى الشعارات الرومانسية. وبالطبع يبدأ التغيير من فوق، أعني أن يبدأ سياسيًا أولاً وبالذات. وما عدا ذلك سنغرق في شعارات تجريدية لا مضمون لها. خصوصاً أن الشعارات تأكل أصحابها، ولدينا تاريخ حافل من هذه الناحية. و في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.