بين اللّب والقشور
د. علاء هادي الحطاب
عندما يكون الاهتمام بالثقافة والمعرفة والقراءة والمطالعة في خبر كان، وعندما يكون صاحب المعرفة غير مرغوب فيه، بل وشاذاً في بيئته، يصبح نقيضه هو متسيّد المشهد ومتصدره، وإن كان نتاج الأخير ( لا نتاج ) لذا تتحوّل الأفكار العظيمة إلى مجرد طقوس بعيداً عن جوهرها.
أثار انتباهي مقطع فيديو وجدته على وسائل التواصل الاجتماعي، مفاده أن مراسلاً تلفزيونياً واقفاً بين حرمي الإمامين الحسين والعباس (عليهما السلام) في النصف من شعبان، التي تصادف ولادة الإمام الثاني عشر المهدي (عج الله فرجه)، وهو يستطلع آراء الشباب عن معنى الزيارة الشعبانية، ومن هو صاحب الذكرى، هكذا بكل بساطة، فلا سؤال فلسفياً وجّه لهم، ولا اختبارات معرفية عميقة أراد منهم أن يفككوها معرفياً، المفاجأة كانت أن كثيراً من الشباب الذين تم استطلاع آراءهم لا يعرفون ماذا تعني الزيارة الشعبانية، ومن هو الإمام المهدي – سوى اسمه طبعاً- فضلاً عن معلومات أخرى أعمق من هذه المعلومات.
نعم، تحوّلت مجمل شعائرنا ذات الأفكار العظيمة إلى طقوس من دون أن يعرف مؤديها ماذا تعني، وأي أفكارٍ تحمل وإلى ماذا تهدف، لذا لا نتأثر بتلك الشعائر العظيمة وما تحمله من أفكار برغم حرصنا الشديد على المشاركة فيها، وأكاد أجزم أن من يتفاخر بمساهمته في «الدگة العشائرية» – مثلاً- لبيت فلان، وإصابة فلان، يشارك في أغلب تلك الشعائر، بل وتجده في طليعة المشاركين، من دون أن تترك هذه الشعائر أي أثر في نفسه وأخلاقه وتربيته ودينه، فضلاً عن ثقافته ومعرفته، إذ تحوّلت تلك الشعائر العظيمة إلى مجرد طقوس لا أكثر يمارسها ويشارك فيها المشارك، باعتبارها جزءاً من طقس تتم ممارسته من عامة الناس وخاصتهم، لذا لا مناص سوى المشاركة، لا سيما إذا تخلّل هذا الطقس «بهارات» مطيّبة من خلال نوع الملابس، وأداء بعض الحركات إضافة إلى «لمة» الشباب وغيرها من الشكليات التي لا تقترب من روح المناسبة بأي شيء سوى تحويل مسار تلك الشعائر العظيمة بأفكارها ومعانيها ودروسها إلى مجرد طقوس يمارسها المرء لإشباع غريزة نفسية أو مشاركة السواد الأعظم في بيئته. مسؤولية النخب ورجال الدين والمثقفين وكل من يعرف ويعتقد بالأفكار والدروس والعبر التي تحملها تلك الشعائر أن لا يتردد في تصويب مشاركة الكثير من الشباب فيها من مجرد طقس إلهائي إلى مادة أخلاقية ودينية وثقافية ومعرفية عظيمة، ينهل من عطائها الإنسان في كل مناسبة، في سبيل التمسك باللّب وليس القشور.