العالم بين قرني ثور

 علي الخفاجي

يقال إنه وفي فترة الحكم العباسي، وفي أحد دواوين العلم المنشرة في بغداد آنذاك، سأل طالبُ علمٍ احد أساتذته؛ ممن يتكون الكون، وكيف انشأ، ومتى انشأ فقال له؛ تكون الكون من ذرة، وبعدها تكونت المخلوقات، ثم قال إن هذا العالم يقف على قرني ثور، وسأله الطالب وأين يقف ذلك الثور، فقال له يقف على حافة أحد البحور، فقال له أين هذا البحر فقال له هنا يقف علم المتعلمين.
لعل ما يجري في العالم اليوم من أحداث كارثية كبيرة قد لا يحس بها ولا يعلم مخاطرها الا المتابع لهذا الشأن، ولعل أغلب المتابعين تنتابهم، كما أن الكثير من المخاوف والقلق على مستقبل العالم، لأن التوترات والتهديدات بين أقطاب الدول وتوابعها، وصلت إلى اقصى المراحل، فالتهديد والوعيد الجاري الآن ما هو إلا شرارة لحوادث قديمة، بمعنى أنه ليس وليد الصدفة، أتذكر وقبل عدة سنوات لقاءً تلفزيونياً لإحدى الشخصيات الاقتصادية الأجنبية، وعند سؤاله من قبل مقدم البرنامج عن مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل الظروف، التي نعيشها أكد بالقول بأن العالم ملتهب، وهو مقبل على حرب عالمية جديدة، بالطبع إن مثل هكذا استنتاج من مثل هكذا شخصية معروفة استوقفني كثيراً، لأن مخرجات هذا الاستنتاج مبنية بالتأكيد على معطيات، واستطرد قائلاً: إن ما يجري من معركة مالية اقتصادية محتدمة منذ فتراتٍ طويلةٍ بين قطبي العالم الولايات المتحدة الأميركية والصين، ما هي إلا بداية لتلك الحرب وبالمحصلة، نتيجة تأثر أكثر الدول بهذين القطبين، فلا بدَّ من وصول لهب تلك الحرب إلى بقية الدول ويتأثر السوق بها.
دعونا نتفق وبشكلٍ قطعي أن الاقتصاد هو العصب الرئيس والمحرك الدائم لكل مجالات الحياة، وتحصيل حاصل أن الدول صاحبة الاقتصاد القوي، تكون دائماً صاحبة الريادة وذات موقف قوي حتى بالقرارات السياسية، بطبيعة الحال أن سياسة الإلهاء، التي انتهجتها القوى العظمى ما هي إلا سياسة قديمة، مبنية على منهج فرق تسد، لأن الاستقرار العالمي بشتى الجوانب، لا يخدم مصالح تلك القوى لأسباب عدة، اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية.
ما يجري اليوم من بوادر حرب وتصعيد بالخطاب، ما هو إلا شرارة لانبثاق حرب، قد تكون كونية يتضرر منها العالم بأسره، فالتهديدات كما أشرنا وصلت إلى أشدها، فكان آخرها تهديد الرئيس الكوري الشمالي، الذي بدا بتصريحه الأخير متحاملاً كثيراً على جاره الجنوبي، حيث خرج بتصريح قد يكون الأول من نوعه، وبصورة علنية ومباشرة، حيث ذكر بأن العدو الأول لدولته هي كوريا الجنوبية، وهنا لغة الخطاب تغيرت عن ذي قبل فقبل عدة أشهر، ظهر باستعراض لصواريخه البالستية العابرة للقارات، وكان يحمل رسائل تهديد مباشرة للولايات المتحدة الأميركية أو لحلفائها على حد قوله، بالطبع أن العلاقة المتوترة بين الكوريتين معروفة منذ أكثر من نصف قرن، لكن أن يصرح الرئيس الكوري الشمالي جهاراً بان جارته الجنوبية هي العدو الأول، فهذا يعتبر منعطفا كبيرا وبوادر لأزمة كبيرة، كما ذكرنا أن سياسة الغطرسة العالمية هي سياسة الإلهاء، بمعنى افتعال الأزمات على مستوى واسع من الدول، ففي كثير من الأحيان تجاوزت تلك الدول ايقاد شرارة الحرب، وعملت على تغذيتها والسعي لديمومتها، وخير مثال على ذلك الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وبفعل شطرٍ منها أصبحت العولمة جزءًا من مشكلات العالم، فلا يخلو بلد من البلدان إلا وهو مشغول بحرب عنصرية، أو اقتتال داخلي أو خارجي أو أزمة اقتصادية، ومن الممكن إن ما يجري اليوم من اضطرابات وحروب وتلاعب بالمقدرات، ما هو إلا تنبؤ لذلك الأستاذ، الذي فرض فرضية خيالية للتهرب من هذا السؤال الجدلـي، واختصر المسألة بأن العالم يقف على قرني ثور، فمتى ما تحرك الثور اهتز العالم.