ازدواجيَّة المجتمع وأخطارها الواسعة

أحمد الشطري

عادة ما يوصف الأفراد بالازدواجيَّة، وهي خللٌ في ذات الشخص ينتجُ عن أسبابٍ متعددة قد تكون نفسيَّة أو تربويَّة أو أخلاقيَّة أو بسبب ضغوطٍ خارجيَّة قاهرة.
وهذه المحددات هي ما يسمح بتبرير هذه الحالة المنحرفة من عدمه، ولكنها تبقى بكل حالاتها واقعة ضمن خط الانحراف للشخصيَّة القويمة.
ورغم الأثر السلبي لهذه الحالة على الفرد والمجتمع بمختلف تفرعاته الأسريَّة أو الوظيفيَّة أو المناطقيَّة إلا أنّ تأثيرها يبقى محدوداً ويمكن معالجته بيسر، بيد أنَّ الازدواجيَّة الأخطر والأكثر والأوسع تأثيراً والتي يصعبُ علاجها هي تلك التي يعاني منها المجتمع بكليته أو بغالبيته العظمى، وهي حالة مرضيَّة أشبه بالوباء الذي يهدد كيان المجتمع، إنْ لم يكن عن طريق الانتقال بالعدوى بالتأثير المحبط للنفوس أو برسوخه وتوطنه وتحوله إلى قيمة ثابتة من قيم المجتمع، ويتمثل ذلك في ازدواجيَّة المجتمع، والتي تتجسد في التصرفات التي تنافي مع ظاهره الحضاري والعقائدي والقيمي.
إنَّ مجتمعاً تتغلغل قيم الحضارة بكل أطوارها التاريخيَّة والآنيَّة في مفاصله ويفتخر بها طوراً، ويدعي تبني مبادئها طوراً آخر، ينقلبُ في لحظة إلى مجتمعٍ همجي مجردٍ من كل الصور الجميلة التي يوفرها أو يتمثلها التطور الحضري والحضاري، فتجده يتباهى بالفوضى وخرق النظام وتجاوز السنن الدينيَّة والقانونيَّة والإنسانيَّة، تحت ذرائع مختلفة تارة تتمثل بالنخوة القبليَّة وأخرى بالاعتداد اللامشروع بالقوة، وخير ما يعبر به عن ذلك هو السلاح الذي بات تحت يد الجميع صغيراً وكبيراً، وجيهاً أو وضيعاً، شجاعاً أو جباناً، من دون أنْ يكون لامتلاكه أو التصرف به أيَّة روادع أو ضوابط.
ومن بين أكثر الصور الازدواجيَّة وضوحاً وجلاءً هي تلك الاحتفالات التي تتخللها فعاليات إطلاق العيارات الناريَّة بفوز منتخب كرة القدم مثلاً، تحت بند الشعور بالسعادة الوطنيَّة لفوز منتخب يحمل اسم البلد، من دون أنْ يعي هؤلاء بأنهم يقتلون أبناء البلد الذين يحتفلون بفوز منتخبهم الكروي، فهل هناك ازدواجيَّة مرضيَّة أكثر جلاءً من هذه، بل أكثر تفاهة منها.
والصورة الأخرى وهي كُثُر تلك التي ترافق تشييع الموتى أو احتفاءً بعرس، وكلما ارتفعت وجاهة ذلك الشخص، كلما تنوعت الأسلحة وازداد إطلاق العيارات الناريَّة، ومعها قد يزدادُ عدد الضحايا سواء بالإصابة أو بالرعب.
إنَّ ما تطرقنا له هو مجرد أمثلة مبتسرة لملامح ازدواجيَّة مجتمعنا وما لم نشر له ربما هو أكثر وأوسع خطراً وأجلى صورة.