طالب سعدون
الإبادة وحق الحياة مفهومان: الأول يتعارض مع إرادة الله الذي خلق الإنسان ومنحه الحياة، وله وحده الحق في سلبها منه، ولم يسمح لأحد ظلما في أن يسلب الحياة من أحد حتى الإنسان نفسه، بدليل أنه حرم الانتحار، ورفض كل ما يدفع الإنسان إلى التهلكة من فعل وتصرف وقول..
ولكن هل تتفق الأحكام الإلهية التي أكدت على كرامة الحياة الإنسانيَّة مع ما يتعرض له الإنسان اليوم من صنوف العذاب والقهر والتفنن في طريقة قتله، وكأن من يقوم بهذا العمل الشائن أمام العالم بكل وحشية، لا يمت للإنسانية بصلة – حتى وإن كان على شكل وهيئة أدمية – وانحدر إلى دون الحيوان مرتبة عندما (زيّن) لنفسه سلب حياة الإنسان…
لقد وصلت (شهوة) الانتقام عند الصهاينة إلى حد ارتكاب جرائم الابادات الجماعية، وهذا ما يحصل اليوم في غزّة.. فهو ليس حربا بين طرفين متكافئين أو بينهما تفاوت قليل، بل مع شعب أعزل وأطفال وشيوخ ونساء تستهدفهم آلة الحرب الصهيونية بكل قوتها ومن يقف معها وفي مقدمتهم أمريكا، التي تدعي رعاية حقوق الإنسان ومنها حقه في الحياة.
وخلال أقل من شهر بلغ عدد الشهداء في هذه المحرقة الصهيونية لبني البشر عشرة آلاف نصفهم من الأطفال، وربعهم من النساء وعشرات الجرحى منهم 70 بالمئة من النساء والأطفال، أيضا ناهيك عن الآلاف الأخرى تحت الأنقاض وآخرين لا يعرف مصيرهم وتشريد المواطنين من ديارهم يلاحقهم العدو بصواريخه وطائراته، ووسائل الدمار المختلفة وحرمانهم من ابسط مقومات الحياة..
ما يحصل في غزّة جريمة إبادة ضد الإنسانيَّة.. وهناك اتفاقية ضد هذه الجريمة تشمل من يرتكبها أو يحرض عليها وحتى محاولة ارتكابها في الحرب والسلم، ومن هنا فإن كل من يساند الكيان الإسرائيلي في جريمته يكون مشمولا بها.
ولكن أين الأمم المتحدة من هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق باحترام الإنسان وحقه في الحياة وحرمانه من أبسط وسائل العيش، بما في ذلك المستشفيات وإخراجها من الخدمة وعدم توفر الوقود لتمارس عملها.
وقد وثّق تاريخ الإنسانيَّة جرائم وحشية ضد الإنسانيَّة مثل جريمة دير ياسين وصبرا وشاتيلا والإبادة الجماعية في رواندا وجرائم النازية لتكون (عظة وعبرة)، ومع ذلك تُرتكب هذه الجرائم اليوم بشكلٍ يفوق التصور، ويصل عدد الضحايا إلى الآلاف والملايين، وكأن الإنسان خلق ليُقتل، وليس ليحيا ويعيش كما أراد له الله بكرامة.
فأين ذلك من المبادئ، التي أكد عليها الله سبحانه وتعالى قبل المحاكم الدولية والمحلية والقوانين الوضعية، التي أكدت حرمة الدم وحق الإنسان في الحياة، والرفق بالحيوان والنبات، في كل الظروف والأحوال.. في السلم والحرب، واحترام المرأة والشيخ والطفل، ووصل الأمر في وصايا الإسلام للمقاتلين ألّا يقطعوا شجرة مثمرة، وما إلى ذلك من وصايا قدمت صورة ناصعة عن مبادئ التسامح واحترام الإنسان وحقه في الحياة وحقوق شركائنا في الحياة – الحيوان والنبات – والابتعاد عن رغبة الانتقام بأي صورة تتعارض مع تلك المبادئ، ومنها المجازر الجماعية والمآسي، التي تعرض الإنسان للخطر، وتسلبه حقه في الحياة، وتجعل من يرتكبها في موضع ملاحقة قانونية في الدنيا، وحساب عسير في الآخرة.
ما يحصل في غزّة جريمة إبادة جماعية، وليس حربًا.. فأين المجتمع الدولي من كل ذلك؟!.