أوضحت محكمة تحقيق غسيل الأموال ومكافحة الفساد، اليوم الجمعة، تفاصيل آلية غسيل الأموال وأبرز القضايا شيوعاً، وفيما أشارت الى غسيل الأموال تستثمر بمحطات وقود ومولات ومعامل اسفلت، أكدت أن إجراءات البنك المركزي فرضت رقابة مشددة على المبالغ المودعة والمسحوبة.
واجبات ومهام المحكمة
وقال نائب رئيس محكمة استئناف الرصافة، القاضي أول في محكمة تحقيق غسيل الأموال ومكافحة الفساد إياد محسن ضمد، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن “اسم المحكمة يدل على اختصاصاتها وواجباتها، فهي محكمة تحقيق الرصافة المختصة بنظر قضايا النزاهة وغسيل الأموال والجريمة الاقتصادية، حيث تختص محكمتنا بنظر قضايا الفساد المالي والإداري أياً كانت سواء كانت قضايا رشوة أو اختلاس أو إخلال بواجبات وظيفية أو كسب غير مشروع عن طريق التضخم في الذمة المالية للموظفين المشمولين بتقديم كشف الذمة المالية وغيرها من قضايا الفساد المالي والإداري التي تخضع للنصوص العقابية في قانون العقوبات العراقي وقانون النزاهة والكسب غير المشروع”.
وأضاف أن “محكمتنا مختصة نوعياً بالنظر في قضايا مكافحة غسيل الأموال وهي القضايا التي تنطوي على إضفاء الصفة المشروعة على المتحصلات المالية للجرائم الأصلية عن طريق إدخالها في أنشطة مالية واقتصادية وتمويه مصدرها لتبدو وكأنها مشروعة”، موضحاً أن “محكمتنا تختص كذلك بالنظر في القضايا المضرة بالاقتصاد الوطني كقضايا المضاربة بسعر صرف الدينار مقابل الدولار وقضايا تحويل الأموال خارج العراق بدون إجازة رسمية وتهريب الآثار وتزييف العملة والاتجار بالبشر والجرائم الماسة بالمنتج وتقليد العلامات التجارية والماسة بالصحة العامة وغيرها”.
التعاون مع باقي الأجهزة
وتابع أن “الأجهزة الرسمية التي تتعاون معها محكمتنا لإنجاز مهامها في التحقيق بالقضايا المنظورة من قبلها، هي مديرية تحقيق بغداد في هيئة النزاهة بالنسبة لقضايا الفساد المالي والإداري والكسب غير المشروع، ومديرية مكافحة الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية بالنسبة للجرائم المضرة بالاقتصاد والوطني، وقسم مكافحة الإتجار بالبشر بالنسبة لجرائم الإتجار بالبشر”، موضحاً أن “التعاون مع مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي العراقي هو تعاون أساسي، وله أولوية كون المكتب المذكور يضطلع بالمهمة الأساسية في مجال تقديم تقارير الاشتباه للمحكمة عن شبهات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك يضطلع المكتب بمهمة ومسؤولية ملف امتثال العراق لمنظمة (فاتف) في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومحكمتنا تمثل مجلس القضاء الأعلى في توفير متطلبات ذلك الامتثال وتوحد مسارات تعاون كثيرة في هذا المجال ساهمت في رفع مستوى امتثال العراق بين الدول الأخرى”.
أكثر قضايا غسيل الأموال شيوعاً
وبين أنه “من ضمن متطلبات منظمة (فاتف) أن تقوم الدول بإعداد استراتيجية وطنية لمكافحة غسيل الأموال، وكذلك أن تعد تقريراً وطنياً للمخاطر كي يتبين مواطن الضعف والتهديدات في مجال مكافحة غسيل الأموال”، مشيراً الى أن “التقرير الوطني للمخاطر الذي اشتركت محكمتنا في إعداده مع مجموعة مؤسسات ومكتب مكافحة غسيل الأموال أظهر أن أكثر أنماط غسيل الأموال هو غسيل الأموال الذاتي”.
وتابع أن “هذا النمط يقوم فيه غاسل الأموال بتسجيل المتحصلات المالية المتأتية من أنشطة جرمية باسمه وفي بعض الأحيان يحضر نمط الغسل من الطرف الثالث من خلال بعض الأصدقاء أو زوجة غاسل الأموال وأبنائه وأشقائه”، لافتاً الى أن “أكثر القطاعات التي جرى استثمار الأموال المتحصلة عن الجرائم فيها هو قطاع العقارات وشركات الصرافة وقطاع الذهب”.
وأكد أن “الوسائل المستخدمة في غسيل الأموال هي اللجوء الى جمع الأموال في المتحصلة عن جرائم، ومن ثم استخدامها في عملية شراء العقارات والأراضي والأسهم والشركات”.
خسائر العراق جراء عمليات السرقة الممنهجة
وذكر القاضي ضمد أن “الحديث عن خسارة العراق لأكثر من تريليون دولار بعمليات سرقة ممنهجة، غير دقيق، فهناك أرقام دقيقة تتبناها مؤسسة رسمية يمكن من خلالها حصر الهدر والضياع الذي طال المال العام العراقي منذ العام 2003″، موضحاً أن “هناك صعوبة بالإمكان أن يتم تحديد الأرقام بدقة”.
وبين أن “المتفق عليه أن الفساد المالي والإداري الذي رافق أداء مؤسسات الدولة العراقية تسبب في ضياع أموال كبيرة كانت ستسهم في زيادة فرص التنمية ودفع عجلة الاقتصاد نحو النمو وتقليل مستويات الفقر وزيادة فرص العمل”، موضحاً أن “ضياع الأموال العامة له أسباب عديدة منها ما يتعلق بسوء الإدارة والهدر، ومنها ما يتعلق بالاختلاسات والسرقة، وهذه الأرقام في تناقص مستمر بسبب سياسات الحوكمة والشفافية التي تتبعها الحكومة العراقية والإجراءات الاستباقية التي تتبعها بعض المؤسسات المعنية بالتدقيق كديوان الرقابة المالية أو بالتحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري كهيئة النزاهة، وكذلك كان للإجراءات التي اتخذتها المحاكم المختصة بمكافحة الفساد في العراق الدور الأكبر في تقليل معدلات ومديات الفساد المالي والإداري من خلال إجراءاتها الناجعة في استرداد متحصلات جرائم الفساد ومصادرتها، وكذلك في إصدار الأحكام الرادعة على المتهمين في قضايا الفساد المالي والإداري”.
سراق المال العام يتحولون الى رجال أعمال
وأشار الى أن “الكثير من مرتكبي جرائم الفساد المالي والإداري وتجار المخدرات ومرتكبي بقية الجرائم تمكنوا خلال السنوات السابقة من دخول سوق رجال الأعمال والمستثمرين، والسبب في ذلك هو للتأخر في تشريع قانون الكسب غير المشروع حيث لم يشرع إلا في العام 2019 بعد تعديل قانون هيئة النزاهة”، لافتاً الى أن “القانون المذكور يقتصر في أحكامه على الموظفين ممن يتولون وظائف إدارية عليا، وهو لا يشمل العاملين في القطاع الخاص إضافة الى ضعف أداء المؤسسات المالية والمؤسسات الرقابية التي تشرف على قطاع الاستثمار والتجارة وعدم مراقبة مصادر أموال المستثمرين والتأكد من مشروعية أموالهم، وإن كان بعضها يرتبط بجرائم أصلية”.
غسيل أموال تمت بعنوان الاستثمار
وبين أن “قضايا غسيل أموال بعنوان الاستثمار ليس في العراق فحسب بل في أغلب دول العالم، حيث يلجأ غاسلو الأموال الى قطاع الاستثمارات الصناعية والتجارية لإضفاء الصفة المشروعة على الأموال المتحصلة عن جرائم، وهنا تكمن صعوبة تتبع الأموال المغسولة لاستخدام أساليب معقدة وكثيرة في تمريرها وفي إضفاء الصفة المشروعة عليها”، لافتاً الى أن “قطاع الأماكن الترفيهية وقطاع العقارات وقطاع شركات الاستثمار كانت حاضرة من بين الأساليب المتبعة في غسيل متحصلات الجرائم ومن خلال عمل المحكمة والتحقيقات التي أجريت، فقد تبين أن بعض الأموال استثمرت في محطات وقود، وفي تأسيس شركات صرافة، وبعضها في معامل اسفلت، وشركات نقل، وفي إنشاء مراكز تسوق، ومولات تجارية”.
إيداع أموال العراقيين في المصارف
وأكد ضمد أن “التطور الذي أحدثه البنك المركزي العراقي في أنظمة مكافحة غسيل الأموال وفرض هذه الأنظمة على المصارف الأهلية والحكومية وما جاء به قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 من إجراءات للعناية الواجبة التي يجب على المصارف الالتزام به عند التعامل مع الزبائن سواء عند فتح الحساب أو عند إجراء أي عملية مالية، فإن ذلك أدى الى فرض رقابة مشددة على العملاء والزبائن والمبالغ المالية المودعة والمسحوبة”،موضحاً أنه “في حال وجود أي عمليات مالية مشبوهة فإن المؤسسة المالية ملزمة بتقديم بلاغ عنها الى مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب للتحري عن حقيقتها وفي حال توفر مؤشرات الاشتباه يتم إعداد تقرير اشتباه وإحالته الى محكمتنا للبدء بإجراءات التحقيق الجنائي للكشف عن جرائم غسيل الأموال المرتبطة بالمعاملات المالية المشبوهة”.
وذكر أنه “كلما زادات رقابة المصارف على تعاملات الزبائن، كلما ضيقت الحلقات على غاسلي الأموال والعكس صحيح”، موضحاً أنه “خلال السنوات السابقة من عمل المحكمة فقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الكثير من موظفي المصارف بسبب عدم بذل العناية الواجبة تجاه معاملات الزبائن وفرضت عليهم العقوبات المالية والجزائية وفقاً لقانون مكافحة غسيل الأموال”.
وأشار إلى أن “هناك 68 متهماً بقضايا الإتجار بالبشر، وأجري التحقيق معهم، إضافة إلى 70 متهماً بغسيل الأموال، و40 متهماً في تهريب الآثار”، لافتاً إلى أن هذه الإحصائية في جانب الرصافة فقط ومنذ مطلع العام 2023 حتى الآن”.
وأوضح أن”هذه القضايا تمت إحالتها إلى الجنايات المختصة لإصدار الأحكام بحقهم”.
المصدر : وكالة الانباء العراقية