نرمين المفتي
تابعت اللقاءات الصحفية مع الطلبة الأوائل، القسم الاحيائي، خاصة، ولم يفاجئني خيارهم في دراسة الطب، الصيدلة أو طب الأسنان، وبدون ان يفصحوا عن السبب، فإنه واضح لدى الغالبية منهم وهو ضمان التعيين! والخلل ليس عند هؤلاء الأوائل، علما أن جميع الكليات العلمية والإنسانية تقبل خريجي القسم الاحيائي والتطبيقي عدا فروع معدودة في الهندسة محصورة لخريجي التطبيقي.
انما الخلل، بدءا في وزارة التربية عامة ومجالس الآباء والأمهات خاصة، التي عليهما توعية الطلبة بما تحتاجه سوق العمل في العراق والمهن المطلوبة.. وهنا دور مهم لا بد أن تلعبه وزارة التخطيط بإرسال المهن المطلوبة إلى وزارة التعليم العالي، والتي عليها أن تحدد عدد الطلبة المقبولين في الاختصاصات، وأن تتعاون مع وزارة التربية في تشجيع الطلبة للتوجه نحو دراسة المهن المطلوبة، وأن تعقد ندوات للطلبة في هذا المجال.. وهناك دور مهم جدا لوسائل الاعلام، الفضائيات منها خاصة، في توعية الطلبة وأهلهم..
وأتساءل هل تعرف الجهات المختصة بتصريح سابق لنقيب الصيادلة قال فيه إن «العراق يعاني من التخمة في أعداد الصيادلة» وأضاف انه «في عام 2026 سيكون لدينا بنحو 62 الف صيدلي فائض عن الحاجة، وفي عام 2030 سيكون هنالك نحو 98 الف صيدلي فائض».. وفي كانون الثاني من 2021، قال المتحدث باسم نقابة أطباء الأسنان إنه «ربما خلال السنتين المقبلتين سيزداد عدد الخريجين إلى 4 آلاف أو 5 آلاف في العام الواحد، وهو نتيجة زيادة الكليات الحكومية والأهلية»، محذرا أن «هناك مخاوف من تخمة سوق العمل الخاصة»، موضحا أنه «وفق مؤشرات وزارة التخطيط فإن العراق يحتاج نحو 700 طبيب أسنان سنويا فقط». وأشار إلى نقطة مهمة وهو أن «خريجي كليات طب الأسنان سيضافون إلى الشباب العاطلين عن العمل، وهذا يهدد السلم المجتمعي على اعتبار أن شريحة كبيرة من الشباب ستعاني من البطالة». وكانت وزارة التخطيط في 30 أيار الماضي، قد أعلنت رسميا اطلاق نتائج مسح سوق العمل في القطاع الخاص في احتفالية قال فيها رئيس الجهاز المركزي للإحصاء «إن الهدف من إجراء المسح هو لمعرفة الاختصاصات المطلوبة لعمل القطاع الخاص. ولرسم صورة عن مدى ملاءمة مُخرجات التعليم بأنواعه كافة، مع احتياجات سوق العمل لغرض تطوير المنظومة التعليمية والتدريبية، وزيادة فرص التشغيل والإنتاجية، مبينا «أن نتائج هذا المسح تظهر لنا مستوى المهارات المطلوبة وتشخيص الاحتياجات المهمة للوظائف والمؤهلات والاختصاصات، مع تحديد المهن الرئيسة في المنشآت الاقتصادية للقطاع الخاص وحاجته من مُخرجات التعليم التقني والمهني وكفاءة ونوعية الدورات التدريبية»..
وتشير الدراسات الدولية الرصينة إلى أن مهن المستقبل هي الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتجارة الرقمية، والحوسبة السحابية ومحلل البيانات.. وللعلم فإن راتب خبير الذكاء الصناعي في الأقل 250 الف دولار في السنة، علما أن الخبرة المطلوبة لا تتجاوز السنتين. فضلا عن أن البرامج الالكترونية والتطبيقات أصبحت واردا قوميا تُدخل إلى خزينة الدول أضعاف موارد النفط أو أي منتوج آخر.
إن العراق لكي يتطور فهو بحاجة إلى إدارة الأعمال والمصانع، والى مهندسي بيئة ومحللي بيانات الأقمار الصناعية، وقطعا إلى مدرسين ومعلمين وفي الطب بحاجة إلى الطب النفسي وعلاج الإدمان وإلى مختصين بالدراسات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية، خاصة التنمية المستدامة.. لا بد من الجهات المختصة أن تأخذ بنظر الاعتبار الأعداد، التي تشير إليها وزارة التخطيط في كل مهنة، والتي على إثرها لا بد من إبلاغ الجامعات الحكومية والأهلية بفتح أقسام جديدة في الكليات الموجودة أو كليات جديدة للعلوم المطلوبة، وأن تحدد العدد الذي يجب أن يُقبل فيها، كي لا يرتفع عدد العاطلين عن العمل، وكي لا تستمر المطالبات بالتعيينات، التي تستنزف نسبة كبيرة من الموازنة السنوية.. وهنا اشير إلى تظاهرة سابقة امام وزارة الخارجية لخريجي كليات العلوم السياسية يطالبون بالتعيين في الوزارة، وفي لقاء مع ممثل عنهم عرفنا أن هناك 39 الف خريج من هذه الكليات منذ 1979، وهي السنة التي شهدت فصل العلوم السياسية عن كلية القانون، علما أن الاختصاصات المطلوبة غالبا في وزارة الخارجية هي الإدارة والمحاسبة والقانون واللغات والعلاقات العامة ولا تحتاج الا نادرا لخريجي العلوم السياسية..