نرمين المفتي
تشير الموسوعات إلى أن الفيلسوف جون ستيوارت ميل (1806 – 1873) كان من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان، هذا الرأي غير أخلاقي في نظر البعض إذ قال: «إذا كان كل البشر يمتلكون رأيًا واحدًا، وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفًا فإن إسكات هذا الشخص الوحيد، لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة». كان الحد الوحيد الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير هو ما أطلق عليه «إلحاق الضرر» بشخص آخر، ولا يزال هناك إلى اليوم جدل عن ماهية الضرر، فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضررًا لحق به من مجتمع إلى آخر.. ومع البدء بنشر ثقافة (حرية التعبير)، ظهر مصطلح جدلي آخر وهو (الكيل بمكيالين)، بسبب المعايير التي تستخدمها مجموعة ما وهي نفسها تدين مجموعة أخرى حين تستخدم المعايير ذاتها..
ولأن الحروب، خاصة الحربين العالميتين، تسببت بانتهاكات بشعة ضد المدنيين، صدر الإعلان العالمي لحقوق الانسان في كانون الأول 1984 والذي جاء في ديباجته «لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم، يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة».. ولكن، وبسبب الكيل بمكيالين اصبح هذا الإعلان أو (حقوق الانسان)، وبضمنها (حرية التعبير) سلاحا موجها ضد دول أو منظمات أو شخصيات سياسية، والذين فرضت أو تفرض عليهم عقوبات مختلفة وغالبا بموافقة الأمم المتحدة والتي تسيطر عليها، شاءت أو أبت، دول الفيتو الخمس.
اثارت الجريمة الأخلاقية التي ارتكبها معتوه عراقي ليعجل حصوله على اللجوء، لمعرفته مسبقا أن غضب العراقيين سيكون كبيرا، لأنه (عراقي)، فقد سبق وإن ارتكبت هذه الجريمة وأقصد (حرق القرآن الكريم) لمرات عدة وبذرائع مختلفة، ومن بينها الإرهاب ولم يكن هناك هذا الغضب الذي اجتاح الشارع العراقي. وكرر المعتوه جريمته مع جريمة أخلاقية أخرى وهي حرق العلم العراقي، وكانت ذريعة القضاء السويدي أنه حرية التعبير، علما أن الإعلان العالمي لحقوق الانسان ينص في مادته 18 على حقوق لا يمكن انتهاكها وإن بذريعة (حرية التعبير)، ونصه «لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة». ان استفزاز الاخر قطعا ليس حرية تعبير، خاصة إن كان فعل الاستفزاز يشكل شكلًا من أشكال الكراهية.
وأقر مجلس حقوق الإنسان الأممي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي قرارا بإدانة «أفعال الكراهية الدينية مثل حرق القرآن».. إن خطاب الكراهية كان سببا في الكثير من الحروب، ومن بينها الطائفية في دول عديدة وانتهت بمآسي إنسانية، والمفروض أن هناك جهودا دولية للحد من هذا الخطاب، والذي أصبح ذريعته الإرهاب في العقود الأربعة الأخيرة، لا بد للدول الإسلامية والعربية أن تتحد في خطاب موحد، وتطالب الأمم المتحدة بتبني قرار يكون مستندا على المادة 18 التي سبق وأشرت إليها، باعتبار انتهاك حقوق أصحاب الديانات واستفزاز مشاعرهم «جريمة ضد الإنسانية»، وتكون الدولة التي تجري هكذا جريمة على أراضيها تحت عقوبات يحددها القرار، ويطالب أيضا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإصدار قوانين ضد الازدراء، ويشرح في ديباجته «إلحاق الضرر»، الذي أشار إليه ميل ويحدد «ماهيته»، لعدم فسح أي مجال للكيل بمكيالين.