ودع العراقيون سعر الصرف الثابت الذي توقف عند 1120 ديناراً لكل دولار أميركي، وهو السعر الذي صمد طوال أعوام، بفضل مزاد بيع العملة الذي يشرف عليه البنك المركزي، وتبدو العودة إلى هذا السعر بعيدة، وربما مستحيلة، ففي أواخر عام 2020، قرر البنك المركزي العراقي رفع سعر الصرف إلى 1450 يناراً لكل دولار أميركي، متعهداً في بيان رسمي بالحفاظ على هذا السعر للسنوات المقبلة، وهو ما أكده مسؤولون اقتصاديون في الحكومة، الذين أعلنوا أن هذا السعر لن يتغير في السنوات الخمس المقبلة.
إلا أنه ومنذ شهرين، بدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع، حتى وصل سقف 1660 ديناراً لكل دولار، وهو ما أدى إلى إرباك السوق العراقية التي تعتمد على الاستيراد في معظم بضائعها، ما ألقى بظلاله القاتمة على حياة العراقيين.
وبحسب تصريح سابق لمستشار الحكومة المالي مظهر محمد صالح، فإن السبب الجوهري والأساس لهذا التراجع هو (قيد خارجي) بينما أعلن عدد من السياسيين أن (مؤامرة أميركية) تقف وراء هذا الارتفاع للضغط على الحكومة.
وفيما يوفر البنك المركزي العراقي الدولار بسعر رسمي ثابت، ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفاعاً غير مسبوق، وهو ما عزاه النائب حسين عرب إلى قلة العرض وزيادة الطلب، بسبب قيود الفيدرالي الأميركي على حركة الدولار.
وقال عرب لـ الصباح إن ارتفاع سعر صرف الدولار يرتبط بالعرض والطلب، موضوع تنظيمي وليس حكومياً، وأضاف أن فقدان العملة الصعبة أدى إلى صعودها وهو مرتبط بنظام النقد والحوالات والعرض والطلب وأسباب أخرى، ولا يرتبط بالكمية التي يطرحها البنك المركزي العراقي .
وتابع النائب وهو رجل أعمال، أن العرض أقل من حاجة السوق ولا تبيع نافذة البنك المركزي ما يحتاجه التجار للاستيراد، وبين أن البنك الفدرالي الأميركي حد من حجم الحوالات، فيما وضعت وزارة الخزانة الأميركية عقبات وطالبت بالقوائم الرسمية للبضائع وهو ما أثر في سعر صرف الدولار.
وختم عرب بالقول إن موضوع الحوّالات فيه تفاصيل مطوَّلة وعميقة ترتبط بالجمارك والضريبة.
وكانت تقارير دولية قد تحدثت عن امتثال العراق لبعض معايير نظام التحويلات الدولي (سويفت) الذي فرض على المصارف العراقية بعض الشروط للوصول إلى احتياطات العراق من الدولار الموجودة في الولايات المتحدة.
وليتمكّن العراق من الوصول إلى تلك الاحتياطات عليه التماشي مع نظام يلتزم بمكافحة غسيل الأموال العالمية، وأحكام مكافحة تمويل الإرهاب، وتلك المرتبطة بالعقوبات، كتلك المطبقة على إيران وروسيا.
واشترط الخبير الاقتصادي د. عدي الكعبي مكافحة ملفات الفساد ومحاربة غسيل الأموال داعياً الحكومة إلى دعم التعامل بالدينار العراقي مؤكداً أن ارتفاع الأسعار (أزمة مفتعلة).
وقال الكعبي لـ الصباح: إن البنك المركزي يبيع الدولار بـ1145 ديناراً، بينما يباع في شركات الصيرفة بسعر بين 1158 – 1160 ديناراً، وأضاف أن لدى الحكومة التزاماً بتحويل العملة الصعبة بما يعزز التجارة الخارجية، وأنها تعتبر بورصتي الكفاح والحارثية نافذتها الحقيقية، مؤكداً أن الارتفاع في الأسعار غير حقيقي لأن الحكومة سدت كل الاحتياجات للتاجر العراقي والمسافرين.
وتابع أن الارتفاع غير حقيقي، لذلك تحاول الحكومة تهدئة أسعار الصرف، وبيّن أن الحكومة كلما حاولت تهدئة الأسعار يتدخل التجار ومافيات غسيل الأموال، وذلك بعد حجبهم من النافذة بعراقيل قانونية تثبت صحة تجارتهم، لذلك اتجهوا إلى السوق الموازية، مؤكداً “كلما حاولت الحكومة ضخ كميات من الدولار يتم سحبها من السوق.
ولفت الكعبي إلى أن هذه المافيات اعتاشت على مزاد العملة منذ سنوات، وتموِّل نشاطها من المخدرات وسرقة النفط والمشاريع الوهمية والمنافذ الحدودية والموظفين الوهميين، محذراً من أن سياسيين كباراً يتسلمون هذه الأموال ويدخلون بمزاد بيع العملة ليتم تهريبها إلى خارج البلد، داعياً إلى معالجة ملفات الفساد من خلال المنصة الإلكترونية التي تضبط الاعتمادات المستندية.
كما دعا الخبير الاقتصادي إلى استقرار نافذة بيع العملة، وتقليل المبيعات إلى شركات الصيرفة حتى لو أدى ذلك إلى ارتفاع سعر الصرف لأنه لن يؤثر في المواطن، وإلى دعم الدينار العراقي في التعاملات المالية، وبين أن أسعار المواد الغذائية تصل بسعر الدولار الرسمي لأن الاستيراد يتم بهذا السعر.
المصدر : جريدة الصباح