سوسن الجزراوي
بناء الدولة يبدء من بناء الإنسان، بديهية يسلّم بها الكثير، حتى أصبحت مقولة يرددها مثقفو الحياة والمجتمع، ومع ذلك بقيت هذه العبارة مجرد أحرف متراصة منمقة سهلة الاعراب نحوياً! فأي إنسان هذا الذي يعوّل عليه ليكون دعامة في بناء المنظومة القيمية بشكل عام؟ .
ويقودنا هذا التساؤل للوقوف على شواهد وأدلة تؤكد مقبولية هذه الفكرة من رفضها، فمع تقادم الزمن ودوران عجلات الوقت وتقاطع عقارب الساعة، ما زال المجتمع يأن من انتكاسات كبيرة في مفاصله الحيوية، وبقي العلم متراجعاً عن ركب العالم المتقدم، وما زالت الطفولة بائسة جدا بل متآكلة مابين الترف الفارغ وتراشق أسلحة القتال الالكتروني عبر أجهزة غبية اتخذت اسم “پلي” بأجيال متلاحقة تستنزف أفكار هؤلاء الأطفال وتجهز على واردات أهاليهم المادية، وبين طفولة أخرى محزنة أبطالها متسولون في الشارع ومشردون بلا مأوى آمن، ناهيك عن أجهزة الاتصال الأخرى مثل الموبايلات و”الآي پادات” التي عاثت فسادا بصحة العين أولا وصحة الجسد الغض هذا قد تكون وقفتي في هذا الموضوع اخذت مساحة أوسع كبيرة عن عالم الطفولة، ولكني أرى أنها المساحة الأهم والاصعب والأخطر في عملية بناء المجتمع، كون الطفل هو النواة والجوهر لترسانة الأعمار الإنساني، واللبنة الأولى في سردية الحكاية كلها.
وللأسف فالكثير من أصحاب العقول، يغفلون عن هذه الشريحة عادينها حلقة صغيرة ومتناسين انها الحجر الأساس في إرساء منظومة اجتماعية غير مشوهة.
وفي عودة للذات الإنسانية والانسان بشكل عام، تستوقفني مقولة للدكتور مصطفى محمود يقول فيها: في اليابان تعداد يتحاوز المئة والعشرين مليونا ومع ذلك لا مجاعة ولا فقر، بل فائض يزيد على الفائض الأميركي في بلاد ليس فيها بترول ولا فحم ولا حتى خام الحديد، لكن فيها اثمن كنز، الإنسان.
وهذا بحد ذاته يؤكد أن رصانة البلدان واستقامة مجتمعاتها، إنما تعتمد أولا وثانيا وثالثا وعاشرا، على الإنسان، القادر على الارتقاء بالبنية الاجتماعية إلى مراتب تكاد تتجاوز ناطحات السحاب، لو فقط أحسنت الدولة بناءه ومنحه ما يحافظ على كرامته وكينونته.