أكدت محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، اليوم الأربعاء، قدرة الجهات الرقابية والقضائية على الحد من جريمة مكافحة غسل الأموال، محذرة من ظاهرة جديدة طرأت على القطاع المالي في العراق وهي ظاهرة النقود الافتراضية او الرقمية Virtual money التي ليس لها وجود حقيقي، ودخولها دون أي ضابطة قانونية أو رسمية والتي من الممكن أن تكون ممراً مواتياً لعملية غسل الأموال.
وعن مدى المستوى الرقابي على الأموال وآلية متابعتها، قال القاضي منجد غازي فيصل، في تصريح تابعته وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن “التحويلات التي تقوم بها المؤسسات المالية داخلياً وخارجياً كافة تخضع إلى نظام (المقسم الوطني) الذي أنشأه البنك المركزي كمكون من مكونات البنية التحتية لنظام الدفع بالتجزئة في العراق والذي كان أحد أهدافه إيجاد (قاعدة من البيانات) لتلك التحويلات”، فضلاً عن “المعلومات المتحصلة من نظام التسوية الإجمالية الآنية (RTGS) الذي يوفر آلية يتم من خلالها الحصول على كل من المعالجة والتسوية لأوامر الدفع عالية القيمة واية معلومات عن ذلك”.
ولفت القاضي غازي، إلى أن “قانون مكافحة غسل الاموال في مادته 14، قد اشترط على جميع المؤسسات المالية الحكومية والأهلية سواء ما يتعلق منها بالمصارف أو شركات الدفع الآلي إيجاد قسم لمكافحة غسل الأموال وذلك لتفعيل إجراءات الحوكمة في تلك المؤسسات، إلا أن عمل هذا القسم تشوبه ملاحظات على الصعيد العملي وتحديداً في ما يتعلق بالمؤسسات المالية الخاصة في أنه لا يتمتع بالاستقلالية اللازمة لممارسة عمله الرقابي كون ما يستحق للعاملين فيه من أجور يدفع عبر المؤسسة ذاتها وهو ما يحتاج لتنظيم أدق من قبل البنك المركزي”.
من جهة أخرى، تطرق غازي، إلى “ظاهرة جديدة بدأت تطرأ على القطاع المالي في العراق وهي ظاهرة النقود الافتراضية أو الرقمية Virtual money التي لا تتمتع بوجود حقيقي ويتم تداولها فقط عبر خوارزميات رياضية في الانترنيت وتعمل دون أي ضابطة قانونية أو رسمية”، محذراً من “مغبة أن تكون ممراً مواتياً لعملية غسل الاموال والتهرب الضريبي”.
واشار إلى أن “هذه النقود تختلف عن النقود الالكترونية (electronic money) التي تكون محلاً لأنظمة الدفع الآلي وهي نقود شرعية تشير الى النقد الحقيقي”، مهيباً بالمشرع “معالجة هذه الظاهرة عبر إصدار التشريعات الملائمة للتعامل معها خصوصاً مع ما شهدناه مؤخراً من انهيار تاريخي لقيمتها”.
وعد غازي، جريمة غسل الأموال من “أخطر الجرائم”، مبيناً أن “أسباب الخطورة تكمن في تأثيرها السلبي البالغ على الاقتصاد الوطني وأيضا كونها جريمة منظمة عابرة للحدود بالإضافة إلى ان الأموال المتحصلة منها تستخدم غالباً في تمويل جرائم خطيرة أخرى كالإرهاب والمخدرات”، لافتاً إلى أن “خطورة هذا الجريمة تأتي أيضا من استخدام المجرمين وسائل عالية التقنية التي تحاول بشكل ذكي ومدروس الالتفاف حول النصوص القانونية الوطنية والدولية التي تجرمها”.
وأكد، أن “هذه الأسباب دفعت العالم إلى السعي لمجابهتها سواء على مستوى التعاون الدولي أو من خلال تشريعات وطنية تقوم بها الدول كلاً على حدة”.
وزاد القاضي، أن “من أبرز صور التعاون الدولي لمجابهة هذه الجريمة هو إنشاء منظمة الفاتف FATF (Financial Action Task Force) (مجموعة العمل المالي) وهي منظمة دولية تأسست في باريس وتعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وكما تقوم بإجراء تقييمات دائمة لتقييم مدى التزام الدول بتلك المعايير القانونية والتنظيمية وقد وضعت هذه المجموعة سلسلة من التوصيات التي أصبحت تعتبر معايير دولية لمكافحة هذه الجريمة وتعمل أيضا على تحديد نقاط الضعف على المستوى الدولي بهدف حماية النظام المالي الدولي”.
وأضاف: “نتيجة لجهود قضائية مهمة قام بها مجلس القضاء الأعلى عبر إعماماته المتعددة وجهود المحاكم المختصة ومنها محكمة تحقيق النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية بالإضافة الى جهات أخرى كالبنك المركزي العراقي ومديرية مكافحة الجريمة المنظمة وغيرها، والتي كان أساسها العمل على تطبيق توصيات مجموعة العمل المالي، كل ذلك أثمر مؤخراً عن قيام الاتحاد الأوربي بإصدار قرار برفع اسم العراق من لائحة الدول عالية المخاطر الأمر الذي زاد من عامل الاطمئنان في النظام المصرفي العراقي تجاه العالم وتشجيع فتح فروع لمصارف أجنبية داخل البلد”.
ولفت إلى “سعي العراق الحثيث للانضمام الى تلك المؤسسات كمجموعة (ايجمونت) وهي شبكة غير رسمية من وحدات المعلومات المالية تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات وتوفر هذه المجموعة قاعدة لوحدات المعلومات المالية في الدول الاعضاء، كما ان مجلس القضاء الاعلى وإدراكاً منه لأهمية وخطورة هذه الجريمة فقد أصدر مجموعة من الاعمامات تؤكد على اجراء (التحقيق المالي الموازي) المعني أساساً بملاحقة المتحصلات المالية للجريمة”، مشيراً إلى ان “جريمة غسل الأموال هي جريمة تبعية تنهض بعد وقوع جريمة أصلية تتحقق منها أموال غير مشروعة، فالمحاكم أصبحت تلاحق الأموال غير المشروعة في أي مكان حتى لو انتقلت عبر عدة أشخاص وعبر منظومة إجراءات مستقلة”.
وتابع القاضي: “اما على الصعيد الوطني فان العراق ماض بإكمال البنية التشريعية لمكافحة هذه الجريمة فضلاً عن مجموعة التشريعات والأنظمة التي صدرت إلى الآن إذ أوجب قانون مكافحة غسل الأموال رقم 39 لسنة 2015 على المؤسسات المالية مجموعة إجراءات تتعلق ببذل العناية الواجبة للتحقق من مصادر الأموال ومدى شرعيتها وهويات العملاء ومعرفة طبيعة العمل وكذلك مراقبة التحويلات المالية و الاحتفاظ بالسجلات اللازمة لتقييد هذه العمليات المالية وعدم فتح حسابات لمجهولي الهوية”.
ودعا، الى “وجوب إبلاغ مكتب مكافحة غسل الأموال فوراً بأي عملية يشتبه بأنها تتضمن غسل أموال أو تمويل إرهاب والذي بدوره يعمل على دراسة جميع هذه البلاغات وتحليلها ويقوم بإعداد تقارير الاشتباه المرسلة إليه مع ملاحظة أن لهذا المكتب تواصلاً دائماً مع جهات أخرى لإكمال منظومة الاجراءات كدائرة الوقاية في هيئة النزاهة إذا كان المشتبه به موظفاً أو أن متحصلات الجريمة تتعلق بالمال العام”.
ولتعزيز هذه الاجراءات أيضاً، لفت القاضي إلى “إخضاع مكاتب الصيرفة باعتبارها من المؤسسات المالية المشمولة بقانون مكافحة غسل الأموال إلى الاجراءات المستمرة من محكمة النزاهة ومكافحة الجريمة الاقتصادية وغسل الأموال بشكل دائم للحد من ظاهرة الصيرفات غير المجازة وكذلك التأكد من مدى التزام الصيرفات المجازة بتعليمات وضوابط البنك المركزي حيث يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين وإحالتهم للمحاكم المختصة وفق المواد (57 من قانون المصارف رقم 94 لسنة 2004) وكذلك المواد (36 و 39 و40 و41 وغيرها من قانون مكافحة غسل اموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015”.
وتحدث، عن “حالات تتعلق بمبالغ مالية يحولها مواطنون بشكل مشروع لكن تقوم احياناً بعض الصيرفات بالاستيلاء عليها وعدم تحويلها للجهة المرسلة اليها”، مشيراً إلى أن “المحكمة تقوم باتخاذ الاجراءات القانونية وفق للمادة (453 من قانون العقوبات النافذ) بحق أصحاب تلك الصيرفات”، مؤكداً أنه “ليس كل تحويل مالي الى الخارج عبر مكاتب الصيرفة يعد جريمة فاحياناً يتم تحويل مبلغ مالي عبر مكاتب الصيرفة يكون مصدره مشروعاً لكن تشوب هذا التحويل مخالفات تتعلق بالصلاحية القانونية للصيرفة في التحويل الخارجي فيختلف عند ذاك الوصف القانوني، أما المبالغ المالية التي تهرب خارج العراق كونها من متحصلات الجريمة فهذا ما ينطبق عليه وصف جريمة غسل أموال”.
وحدد غازي، أهم العقبات التي تواجه عمل المحكمة والجهات الرقابية الأخرى في مكافحة هذه الجريمة، وفي مقدمتها “ضعف التعاون الدولي وعدم ورود إجابات من الوحدات النظيرة لمكاتب مكافحة غسل الاموال في الدول الاخرى وخصوصا تلك التي تعد ملاذات آمنة للأموال المهربة إضافة إلى عدم التطبيق الكامل لأنظمة الأتمتة في بعض الدوائر المهمة كدائرة التسجيل العقاري”، موضحاً أن “أغلب مرتكبي جرائم غسل الأموال يقومون بشراء عقارات بمبالغ ضخمة لإخفاء تلك الأموال أو التمويه عن مصادر دخلهم وكذلك لشرعنة تلك الأموال عبر بيع تلك العقارات لاحقاً وتحويل تلك الأموال إلى الخارج للايهام بانها متأتية من مصادر مشروعة او استخدامها لتمويل مشاريع واستثمارات في الداخل لصعوبة تحويلها بسبب الاجراءات الرقابية أو بسبب ما يشهده المحيط الاقليمي من تدهور اقتصادي وانخفاض في قيمة العملة لتلك الدول الامر الذي ساهم في ارتفاع أسعار العقارات في العراق بشكل كبير”. وتابع، أن “وجود قاعدة بيانات إلكترونية تبوب العقارات بالأسماء وليس فقط بأرقام العقارات تتيح للجهات الرقابية معرفة مجموع ما يملكه كل متهم بغسل الأموال من عقارات كذلك سيساهم إدخال نظام الأتمتة في هيئة الجمارك بشكل كامل في دوائرها وجميع إجراءاتها بتزويد المؤسسات الرقابية والقضائية بكافة مستندات الشراء والاستيراد والإدخال الحقيقية لكل ما يستورد وهذا من شأنه لو تحقق فإنه يقلل من عمليات الشراء الوهمية للدولار في مزاد العملة”.