ا.د.عامر حسن فياض
هل لدينا، ولو فكرة عن سؤال: أين العراق مما يحصل ومما سيحصل في دواخله وخوارجه على المستويين الداخلي بأبعاده المجتمعية (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية)، والخارجي ببعديه الإقليمي والدولي؟ نعم الداخل العراقي يعاني من انسدادات سياسية تزداد انغلاقا والمفاتيح مثلومة.. ويعاني من عقم اقتصادي انتاجي (زراعي- صناعي) ويتأبد في خصوبة استهلاكية تتغول.. ويعاني من تعارضات اجتماعية، تتوسع طولاً ومن نزوعات شعبوية تتضخم عرضا.. ويعاني من فقر معرفي يتمدقع ومن تصحر ثقافي يتوسع عموديا وأفقيا.
باختصار أن العلامة الفارقة للداخل العراقي (سلوكا وتفكيرا)، يسجلان غلبة العشق للماضي وحب المراوحة في بؤس الحاضر والاصرار على كراهية التحضير والاستعداد لتحديات المستقبل.
ونعم فإن الخارج يقوى بضعفنا ويتدخل عبر طرق ملتوية غير مستقيمة، ويخترقنا من شقوق ضيقة، ليملأ فراغاتنا الواسعة التي نحن صنعناها، لأننا ما زلنا ننظر إلى العراق من ثقوب ضيقة، هي ثقوب المذاهب والقوميات والعشائر، ولا ننظر ونرعى تعددية المذاهب والقوميات والعشائر من بوابة العراق الواسعة.
ولأننا ينبغي، ايضا، أن نلام ولا نلوم الآخر البراني الإقليمي والدولي، عندما يتنمر وينظر الينا ويتعامل معنا بالعين الصغيرة، فهذا ما جناه نحن وليس الآخر، فهل لدينا، ولو فكرة لما يحصل ولما سيحصل للعراق؟
هل لدينا المؤسسات الديمقراطية المنتخبة القائمة على الحوار والتسامح الفكري والسياسي بين اعضائها؟.
لقد انتجت التجارب الانتخابية النيابية في العراق نخبة برلمانية مقيدة بولائها الجهوي الضيق، وبالتوافقات الزبائنية السياسية في سلوكها وحتى تفكيرها، لذلك ستبقى عبارة عن نخب مترددة عن ممارسة وظيفتها في التشريع والرقابة، وان لم تتردد، فأنها ستظل متقمصة إطار الجهوية الضيقة التي تضع الحواجز في تعاملها مع الشركاء في المركب العراقي بتعصب وحقد وكراهية، ويدفعهم إلى ذلك المصالح الشخصية والمنافع الجهوية الضيقة على حساب مصالح مشتركة وطنية، لا تقبل القسمة والبعثرة.
وهل لدينا شيء من العلم والمعرفة بضرورة العمل، دون القول، على إنهاء المحاصصة المقيتة وترسيخ العدالة وتعزيز مبدأ السيادة الوطنية وتوفير الفرص المتكافئة امام ابناء العراق، وعدم سن قانون انتخابي (جديد) كل دورة انتخابيَّة، وفق الاعتبارات والمصالح لبعض الأطراف على حساب أطراف أخرى وجميعها متنفذة بالمال والسلاح والسلطة؟، هل لدينا إرادة للاسراع في اجراء احصاء رسمي دقيق ودوري للسكان في العراق؟ وهل لدينا دعم لتشكيل الأحزاب السياسية العراقية العابرة للقوميات المتعصبة والطائفية السياسية المذهبية؟ وهل لدينا مستلزمات صناعة رجال دولة بحق لبناء دولة العراق
بحق؟.
إنَّ القادة الذين يستحقون لقب رجال دولة ينبغي أن يتسموا بالعديد من معايير الكفاءة والمؤهلات، ويكونوا قادرين على قيادة الدولة والمجتمع، وان ينصرف شغفهم لمعالجة القضايا، التي تخدم الصالح العام، وأن يقدموا المشاريع المهمة لتحقيق هدف بناء الدولة، كما ينبغي ان يكونوا قادرين على ادارة الأزمات.
بذلك فإن الانضمام إلى دائرة رجال الدولة يفترض أن لا يكون مفتوحا أمام الجميع، لأن وظيفة رجال هذه الدائرة لا يمارسون وظيفة روتينية يومية، لأنهم بصدد التعامل مع قضايا كبرى داخل المجتمع ومحيطه الاقليمي والدولي، ويفترض أن يكون كل واحد منهم على استعداد تام لتحمل كامل المسؤولية، وبذلك أن رجل الدولة يختلف عن القادة الممثلين بالانتخابات من رجال السياسة، الذين يضعون كل طاقاتهم في سبيل الفوز بالانتخابات والانتفاع من المناصب، وإن الصفات التي يفوز بها النائب التمثيلي، على سبيل المثال، ليست بالضرورة هي صفات رجال الدولة، خصوصا اذا كانت الانتخابات فرصة للأشخاص الديماغوجيين والشعبويين للفوز بالنيابة او المنصب في الديمقراطيات الناشئة، وقد يكون صعبا على الناخب التمييز بين من يصلح لأن يكون من رجال الدولة عن رجل السياسة العادي، أو الديماغوجي الشعبوي.