اليوم ذكرى جرح مَنْ قال:أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسم ولا شَبَه.
فاسمحوا لي أن استعيد بعضاً من معانيه التي لا تستقرّ إلا في القلوب. فأقول: قد تكون هناك دول فاشلة في أوطان عظيمة؛ أوطان من مثل التي تغنّى بها هولدرلين: (هنيئاً لمن يسكنُ في وطن معروف. حينئذٍ على أرضٍ ثابتةٍ، تضيءُ له سماؤه بصورةٍ أجمل).
ونحن، دولتنا قد تكون فاشلة لكنّ وطننا العراق عظيم.
وفي كل وطنٍ عظيم، هناك قلبٌ، نواةٌ، مرتكز تجتمع حوله الأفئدة، ويأخذ وظيفة الأسطورة الحيّة الشاخصة لا الأسطورة المكتوبة أو المنطوقة، لن يكون مجرد أثرٍ يكشف عن حياة غابرة، فليست قيمته تاريخية وحسب، إنه حاضر كلّ حينٍ بحضور أفئدة الناس التي تهوي إليه.
لا أجد قلباً لوطني العراق أكثر أسطورية ورمزية ورحمانية من مرقد علي بن أبي طالب. هو شجرتنا المقدسة والنواة التي يدور حولها وطنٌ بأكمله. ولا يعنيني هنا حجم الحمولة الدينية ولا الطائفية التي حُمّلها هذا الرمز الآن. هو موئل قلوب الناس هنا في هذه الأرض بحيث بدا كأنه مرتكزها، لا المرتكز الروحي فحسب بل يكاد يكون الوتد المادي الذي به تتماسك هذه الأرض عند الاهتزازات الكبرى.
وحين أتحدث عن عليّ، فأنا أعرف أني ليس بمقدوري إلا أن أتحدث عن أبي تراب، أيْ عن عليّ الترابيّ، عليّ في نشأته الترابية التي هي مع ذلك لا تُنال إلا بمزيد من التأمل وإعمال الخيال، ولا يُسار إليها إلا “بالأوهام في مسالك الغيوب”، أما عليٌّ ذو النشآت التي لا تقع تحت حسّ أو إدراك فأمر خارج نطاق تغطية العقل، أتحدث إذنْ عنْ عليّ العراقيّ.
كثير من الناس يحبّون العراق لأن فيه علياً، وكثيرون من محبّي عليّ يزداد حبّهم له لأنّه في العراق ومن العراق، بل في موضع القلب منه، وهو يحرّضني على ذلك بقوله (أنا ومحمد نبطٌ من أنباط كوثى العراق) وفي رواية أخرى له (أنا ومحمد من طين العراق).
وكم هو مبارك هذا الطين الذي جُبل منه عليُّنا!