منذ إسدال الستار على الانتخابات البرلمانيَّة الأخيرة في تشرين الأول من العام الماضي واللغط الذي دار بشأنها وبشأن نتائجها، تعدَّدت المبادرات المطروحة لحلِّ الخلافات، ويرى مراقبون أنه لا أفق أو نجاح لأيِّ مبادرة مطروحة بحكم تجربة العملية السياسية طيلة 19 عاماً، مبينين أنه جرت العادة أنَّ “الاتفاقات” لا “المبادرات” هي المهيمنة منذ 2003.
مبادرات دولة القانون وبعدها الإطار التنسيقي تلتها امتداد وآخرها وليس أخيرها مبادرة زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، قبل أن يعود التنسيقي مرة أخرى ليُعلن إعداده مبادرة جديدة، وبغض النظر عن تفاصيلها، فإنها تأتي ضمن سلسلة متواصلة من المبادرات التي أطلقتها أطراف سياسية عدة.
وعدَّ الباحث والأكاديمي د. عبد العزيز العيساوي أنَّ العملية السياسية في العراق قائمة على الاتفاقات وليس المبادرات، وذلك لأنها تصدر عن أحد الطرفين المتخاصمين.
وقال العيساوي لـ”الصباح”: إنَّ للمبادرات في العراق مواسم، وأبرز مواسمها خلال الفترة التي تلي كلَّ انتخابات، وأضاف أنَّ أغلب المبادرات التي طرحت منذ 2005 لم تنجح لأنَّ العملية السياسية في العراق قائمة على الاتفاقات وليس المبادرات والفرق بينهما كبير.
مبيناً أنَّ المبادرة تطرح من قبل طرف ربما يكون من أحد المعسكرين المتنافسين أو من قبل الواقفين على الحياد، لذلك فإنها تفشل لأن لا أحد سيقبل بتقديم تنازلات ليستفيد صاحب المبادرة ويقوى موقعه السياسي والاجتماعي.
وأوضح أما الاتفاق فإنَّ فرص نجاحه أكبر، لأنه يكون مسبوقاً بجولات حوار بين المتخاصمين، يجري خلالها تقديم تنازلات من قبل الجانبين للوصول إلى اتفاق.
وأشار إلى عدة أمثلة على نجاح الاتفاقات، ربما أبرزها اتفاق أربيل في 2010 الذي أخرج البلاد حينها من أزمة مستعصية لا تقل صعوبة عن الأوضاع التي تمر بها البلاد اليوم.
وختم العيساوي بالقول: إنَّ “نجاح المبادرات صعب بسبب (لاءات) المتضادين، بينما الاتفاقات تمرر لأنها تحصل على ضوء أخضر من المتخاصمين.
ولم تشهد العملية السياسية نجاح أي مبادرة أطلقت منذ 2003، في ظلِّ الأزمات السياسية المتواصلة، التي تشتد عند محاولة تشكيل الحكومة، ثم تختفي هذه المبادرات ويتأجل فتح الملفات المهمة بعد تشكيل الحكومة.
ويعزو الباحث في الشأن السياسي د. حيدر علي سبب فشل المبادرات إلى عدة أمور، وقال في حديث لـ”الصباح”: يمكن للمتابع للشأن السياسي العراقي أن يحدد وجود العديد من المبادرات التي تسعى إلى حلحلة المواقف وتحقيق قدر من الانفراج بين الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد العراقي”، وأضاف لا بد من الإشارة إلى أنَّ المبادرات لا تجد طريقها إلى التحقيق والنفاذ وإنما تبقى بلا تنفيذ أو نتائج ملموسة وذلك لعدة أسباب.
ولفت إلى أنَّ من أهم هذه الأسباب “غياب الإرادة السياسية الحقيقية المنتجة لأداء فاعل وحاسم يمكن أن يخترق الأزمة،
وتابع وكذلك عدم وجود وسيط قادر على إحداث تغيير في التوجهات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية، مبيناً أنَّ من هذه الأسباب أيضاً؛ فقدان الثقة بين أطراف المعادلة السياسية وسيادة منطق المكاسب على المصلحة العليا للبلاد.
وأشار علي إلى عدم وضوح الرؤية الاستشرافية وغياب الأهداف المستقبلية التي تحاكي طبيعة النظام السياسي ومسار الأداء وهيكلية العلاقات داخل العملية السياسية، مؤكداً أنَّ المبادرات تبقى حبيسة الأروقة السياسية وتفتقر لعناصر الدفع التي تسهم في توضيح الرؤى وتفكيك الأزمات وتحقيق قدر من الاختراق لحالة الجمود السائدة.
المصدر : جريدة الصباح