هل الشعب مصدر السلطات حقا؟

 حسب الله يحيى
في كل دساتير العالم، ومنها دستور بلادنا؛ يتم التأكيد فيها على أن «الشعب مصدر السلطات» وهو تعبير أخلاقي ووطني وقانوني وإنساني.. وهو من ثم تعبير سياسي. إذن.. السياسة هنا على درجة باذخة من العطاء النبيل والمسؤول. وما دامت السياسة تعمل على وفق هذا الهدف، وان نواب الشعب هم حماة الدستور؛ فإن سياستهم جميعا تقتضي الالتزام بسلطات الشعب العليا، بحيث لا يمكن التجاوز عليها او استغفالها او ركنها فوق اقرب رف.

«الشعب مصدر السلطات» وهذا المصدر الحي، يطالب ويصر ويؤكد ويحتم على نوابه، العمل على تنفيذ إرادة الشعب والتي وعد النواب مواطنيهم بتنفيذ كل مطاليبهم العادلة، وفي مقدمتها تقديم الخدمات الضرورية لهم: الامن في المقدمة، أمن الناس برعاية وحكم القانون، وليس بضغوط من العشيرة او القوى المنفلتة او الأحزاب.
والعدل/ ومتى ساد العدل، ساد النظام.. النظام يساوي بين الناس، ولأنّه يساوي؛ إذن هو قائم على قاعدة ثابته وراسخة.
والجهل/ لا لتجهيل الشعب، بدءاً من معلمٍ مرتشٍ فاشل الى منهج دراسي غائب، وتعليم لا يعلم، ومدرسة تخلو من سقف وكرسي وسبورة!
ولا جامعة لا تستقبل إلّا قلة من الطلبة فيما تدفع بهم الى جامعات أهلية تبتزهم مالا وعلما مغيبا، ورسائل واطاريح فجة تشترى نقدا!
والعمل/ العمل إرادة الشبيبة في البناء.. لا ان تكون هذه الإرادة بيد عمالة أجنبية رخيصة.. ولا وظيفة بلا عمل، ولا عمل بلا انتاج.
الرواتب التشغيلية تهدر، لان اولي الامر في قيادة العمل بلا كفاءة ولا خبرة ولا مسؤولية وطنية.. همها ان تقبض، ولا شيء يشغلها غير الكرسي ووجاهته وبذخ ماله.
والمشافي/ لا تشفي من وجع، والعلاج غير ميسّر، وما هو متيسّر في الصيدليات الاهلية بلا رقيب لدواء فاسد او سعر باهظ.
والسوق/ السوق يلعب به التجار، يسعّرون بضاعتهم ويلعبون بقوت الناس على وفق مشيئتهم، لا على وفق عدالة الدولة التي تعمل على اعمامها بين الجميع.. والجميع للأسف في حالة غياب عن ذهنية نواب وعدوا واخلفوا.. وكانوا يقظين، يسهرون الليالي قبل انتخابهم، حتى اذا فازوا؛ ناموا نومة أهل الكهف، فإذا استيقظوا فإن شاغلهم الأساس هو السؤال عما يتحقق من مكاسب!
أهكذا يحقق الشعب سلطاته؟
السلطة.. ليست قوة غاشمة، ولا كسب فئة على حساب أخرى، ولا وجاهة كاذبة، ولا كلمات واعدة بالجنة.
الفائزون في انتخابات مجالس المحافظات والمعنيون بمدن تحتاج الى ماء نقي وكهرباء تبدد ظلام الزمن المر.. معنيون بأن يعود العراق: بلد السلام، وبلد السواد لخضرته، وبلد الرافدين لوفرة مياهه.
عراق يريد أن يتنفّس العدالة بين أبنائه، لا أن يعد أبناءه للحروب والفتن والفرقة والصراعات على أي وجه من الوجوه.
والعراق.. لن يكون شعبه مصدر السلطات اذا كان محكوما بالخوف والجهل والمرض والفقر والبطالة وتكميم الأفواه.
العراق لن يكون عريقا اذا ما اهمل قاعدة واسعة من الناس، ذلك انه ليس ملكا لفئة من دون غيرها ولعدد من دون سواه.
المواطن.. سيد في بلاده، الا اذا عمل موظفاً أجوف على الاستهانة في معاملته والشرطي ان ادان براءته، والمدير ان عد نفسه اكثر فهما من الجميع، وان لا أحد سواه له الكلمة العليا سواء كانت هذه الكلمة حقا او باطلا!.
المواطنة.. حق نحتاج اليه، ونلتزم على وفقه في بلد يفترض ان يصان فيه كل إنسان، لا أن تمتلئ السجون به، ليختلط المجرم مع البريء.
عمران إنسان.. احترامه وتقديم الخدمات التي يستحقها اليه، لا اذلاله وتقديم الصدقات المذلة اليه بدعوى الرعاية والكرم الحاتمي الزائف.
الإنسان. سيد هذا الكون، وهو من يبني ويعمر ويعمل على اعمام حياة حرة سعيدة يعيشها برغد.. في ظل دولة ترعاه وتتحمل مسؤولية هذه الرعاية، لا أن تظل تعده بالكثير، ولا تحقق الا اقل من القليل.
لقد طلق الناس الوعود، وباتوا يعيشون على أمل ان يعي كل مسؤول  حقوقه وواجباته لا ان يكون له وحده الحق وليس لسواه من خلق الله.. هذا الخلق الذي لم يعد يقتنع بكلمة «سوف» وإنما يريد ترجمتها الى واقع عملي ملموس.
ترى هل نتفاءل ونحن نقرأ: «الشعب مصدر السلطات»؟

المصدر: وكالة الانباء العراقية