في المغزى الفلسفي والمغزى القانوني للحق

 أ.د عامر حسن فياض
انطلاقاً من منهجية تحديد ماهية الشيء بدلالة تفكيكه وتركيبه فإن عبارة “حقوق الإنسان” تتوزع ما بين مفردتين، الأولى مفردة {الحق} والثانية هي مفردة {الإنسان} فما هو الحق؟ وما هو الإنسان؟ وأخيراً ما هي حقوق الإنسان؟ في المعاجم الفلسفية يتحدد مفهوم الحق بالاشارة إلى أن الحق يفيد لغويا معنى الثابت، الذي لا يسوغ إنكاره، واليقين بعد الشك، وهو العدل والأمر المقتضي والمال والملك، وصدق الحديث

وهو من أسماء الله تعالى أو من صفاته.
وفي السياق الفلسفي أيضا يطلق على الحق معاني كثيرة منها: مطابقة القول للواقع – الموجود حقيقة لا الموجود توهما – التصور السالم من التناقض – الممكن في
العقل… إلخ.
وفي الفقه القانوني فإن للحق معنيين، الأول ما كان فعله مطابقاً لقاعدة محكمة، أي ثبت ووجب وحق المرء أن يفعل كذا.
والثاني ما تسمح بفعله القوانين الوضعية، أو ما تسمح به العادات والتقاليد والأخلاق.
وهذا الفقه كان قد ميز بين نوعين من الحقوق هما: الحق الطبيعي والحق الوضعي.
الأول هو مجموع الحق الملازم لطبيعة الإنسان من حيث هو إنسان.
والثاني هو من الحق المنصوص عليه في القوانين المكتوبة والعادات الثابتة.
والحق الطبيعي يحتضنه القانون الطبيعي، بينما الحق الوضعي يحتضنه القانون الوضعي.
وفي الأخير يمكن الحديث عن أنواع من الحقوق تنقسم ما بين حقوق سياسية وحقوق مدنية والأخيرة تنقسم إلى حقوق عامة وخاصة، والأخيرة تنقسم إلى حقوق أسرة وحقوق مالية، والأخيرة تنقسم إلى حقوق عينية وحقوق شخصية ومعنوية.
وفي السياق القانوني لمفهوم الحق يذهب (عبد المنعم الصده) في كتابه الموسوم “مبادئ القانون” إلى التأكيد على أن الحق هو “ثبوت قيمة معينة لشخص بمقتضى القانون، فيكون لهذا الشخص أن يمارس سلطات معينة يكفلها له القانون”.
وهذا التعريف لا يبيّن جوهر الحق فحسب، بل يضيف ما يعتبر من مقتضياته.
فجوهر الحق هو ثبوت قيمة لشخص بمقتضى القانون.
وعليه فإن القانون هو مصدر كل الحقوق بحيث لا يمكن أن ينشأ حق لا يستند إلى قاعدة قانونية.
وهنا يمكن القول إن الارتباط بين الحق والقانون هو ارتباط وجودي وثيق، بوصف الحق نتيجة من نتائج القانون، وأن الأخير هو أساس مقتضيات كل حق، كما أن الحق على صلة وثيقة بوظيفة القانون وغايته اما المقصود بالحق كما جاء في كتاب “أساسيات القانون والحق” للدكتور “عبد القادر شهاب” فإنه موضع نظر من زوايا متعددة، بمعنى أن الحق يختلف بسبب الزاوية التي ينظر منها إليه، فهناك من يعرفه مركزا على شخص الحق وصاحبه في المقام الأول، بينما يعرفه آخرون آخذين في عين الاعتبار معيار محل الحق وموضوعه، وعلى هذا الأساس نشأ مذهبان لتعريف الحق هما:
المذهب الشخصي ويعرفه أنصاره الحق بأنه “قدرة أو إرادة لصاحب الحق يستمدها من القانون، ويرتبط المذهب الشخصي ارتباطا وثيقا بالمذهب الفردي.
فالحق بناءاً على هذا المذهب لا يوجد إلا بإرادة صاحبه، وفي الحدود التي يرتضيها، وقد تعرض هذا التعريف للنقد، حيث إن الحق هنا مقترن بالإرادة في حين أن الحق يثبت حتى لعديم الإرادة كالمجنون والصبي غير الراشد وغير المميز والجنين.
كذلك قد يثبت الحق لصاحبه دون علمه مثل الحقوق، التي تثبت للغائب والوارث.
فهذا المذهب يؤدي إلى الاعتقاد بأن الحقوق لا تثبت إلا للأشخاص الطبيعيين دون الاشخاص المعنويين، كما أن هذا المذهب يخلط بين الحق وبين استعمال ومباشرة الحق.
المذهب الموضوعي ويذهب أنصاره في تعريف الحق بأنه مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون وهذا التعريف ينظر إلى الحق من جانب موضوعه، وأساس هذا التعريف يقوم على أن الإرادة هي ليست جوهر الحق، بل إن الجوهر الحقيقي للحق يتمثل في المصلحة، التي يراد تحقيقها.
ومن وجهة نظر أصحاب هذا المذهب أن الحق يتطلب عنصرين هما: عنصر المصلحة وعنصر الحماية القانونية لهذه المصلحة، كما أن هذا التعريف تعرض لانتقادات، نظراً لخلطه بين الحق وغايته.
فالمصلحة سواء كانت مادية أو ادبية هي الغاية من الحق وليست الحق ذاته.
وبالنظر إلى الانتقادات التي وجهت لهذين المذهبين، حاول بعض الفقهاء الجمع بينهما لتبني اتجاه أو مذهب ثالث عرف بـــ (المذهب المختلط) الشخصي والموضوعي، البعض من أنصار هذا المذهب الثالث يغلب الجانب الشخصي على الجانب الموضوعي، فيعرف الحق بالقول إنه “قدرة إرادية معطاة لشخص في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون” والبعض الآخر يغلب الجانب الموضوعي على الشخصي، فيعرف الحق بالقول إنه “مصلحة يحميها القانون ويقوم على تحقيقها والدفاع عنها، بوصفها قدرة ارادية معينة”.
بعد هذا وذاك ظهر اتجاه آخر يتزعمه الفقيه الفرنسي “دابن” حاول تلافي الانتقادات التي وجهت إلى المذاهب الأخرى، فقام بتحليل الحق إلى عناصره بدلا من تعريفه.
فالحق أصبح عنده يتكون من أربعة عناصر هي (الاستئثار – التسلط – الرابطة القانونية – حماية القانون).
وانطلاقاً من هذه العناصر عرف أصحاب هذا الاتجاه الحديث الحق بأنه “ ميزة يمنحها القانون لشخص معين، يحميها بطريق القانون، وبمقتضى هذه الميزة يتصرف الشخص متسلطا على مال معترف له به بصفته مالكا مستحقا له”.
وتذهب بعض القوانين إلى تعريف الحق بدلالة كونه “سلطة قانونية” فتنص على أن الحق يتمثل بــ “سلطة يحميها القانون ويمنحها لشخص معين تخول له الاستئثار بقيمة معينة على أن تمارس هذه السلطة بصفة مشروعة وفي حدود إشباع حاجاته الضرورية”.
ويرى الدكتور (عبد القادر شهاب) أن الحق هو “ثبوت قيمة معينة لشخص بمقتضى القانون، فيكون لهذا الشخص أن يمارس سلطات معينة يكفلها له القانون بغية تحقيق مصلحة جديرة بالرعاية”، ثم يشرح هذا التعريف بالاشارة إلى أن جوهر الحق هو ثبوت قيمة معينة لشخص بمقتضى القانون.
بمعنى أن هذا الثبوت الذي يعترف به القانون للشخص يعد العنصر الأساس الذي يقوم عليه الحق.
ولا يقتصر المراد بالقيمة هنا على ما له قيمة مالية، بل يشمل كذلك ما له قيمة أدبية أو معنوية لا تقدر بالمال.
فحق الشخص في الحياة وحقه في الحرية وحقه في أن يشترك في حكم بلده، كل هذه حقوق ترد إلى قيم أدبية أو معنوية.
وقد تكون القيمة مالية، فحق الملكية يرد على شيء مادي معين، يمكن تقويمه بالنقود.
فسواء كانت القيمة مالية أو غير مالية فإن ثبوتها للشخص لا يكون إلا بناءً على اعتراف من القانون.
والحق يقال إن الحق سواء كان قدرة أم مصلحة أم ميزة أم سلطة أم قيمة مثله مثل كل المفاهيم يرتبط ارتباطا وثيقا بواقع النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمبادئ والقيم السائدة في المجتمع، كما أنه يرتبط بوظيفة القانون وغايته، طالما كانت تلك الوظيفة وهذه الغاية تتصل بتنظيم علاقة الإنسان بالإنسان، لمنع التسلط والاستغلال والعمل على ضمان الحريات الأساسية، دون استبعاد وفي حدود إشباع حاجات الإنسان المادية والمعنوية
الضرورية.
الأمر الذي يعني ارتباط هذه المسميات للحق (القدرة – المصلحة – الميزة – السلطة – القيمة…إلخ)بالإنسان.

المصدر: وكالة الانباء العراقية