غزة والضمير الذي لا يقبل القسمة

كاظم غيلان

يفيد آخر تقرير لمجلس الأمن الدولي بمقتل طفل فلسطيني في كل خمس دقائق! الحرب على شعب غزة مستمرة، وشارفت على شهرها الأول اذا ما استمرت والتي ستكون في عداد حروبنا العربية مع إسرائيل، ستكون في عداد هزيمة الضمير وانتكاسته، التي تكفي إحصائية مجلس الأمن التي أوردتها لأدانته وفضحه.
في كل خمس دقائق يموت طفل ونحن نتابع أخبار المؤتمرات والجلسات ونحصي بيانات الشجب والاستنكار، ونراقب ردود أفعال المشاهير، نكاد نطير فرحا لحملات التضامن مع قضيتنا! ردود أفعال ذوي القربى من قضية غزة مضحكة مبكية، فهي خجولة، تطلق التصريحات على استحياء، وكأن الناطق باسم الحكومة العربية هذه أو تلك يقول: لست أنا!
تشتعل صفحات التواصل الاجتماعي بالتصفيق والحماس لأي عملية قتالية ناجحة تسجل لصالح الثورة وتؤكد انتكاسة لجيش الاحتلال.
نعيش ساعات فرح غامر حين يفتح ممر للمساعدات الإنسانية، فغزة بلا دواء، ولا ماء، ولا كهرباء..أين هي الحياة دون هذه؟
وبما ان الشعر ديوان العرب فقد تسارعت الأقلام وصدحت الحناجر، حيث أقيمت مهرجانات التضامن مع شعب غزة الذي يقاتل وحده.. وحده فقط ولا غيره.
نحن نتضامن معه، لسنا خلفه في القتال، وليس أمامه سوى عدوه المتوحش الذي يصر على إبادته.
ولفرط هزيمة دواخلنا نتابع ونصدق برطانة المحللين السياسيين الذين تدفع لهم فضائيات مباعة ومشتراة مقابل ما تريد هي، ما يريد ممولها وليس بما يريده الضمير.
في حروبنا مع إسرائيل نجيد ونكرر عملية جلد ضمائرنا دائما، ندين ونسخر من ماضينا، ونمارس النقد الخجول مع حاضرنا مخافة زعل حكوماتنا المشغولة بتخمتها من واردات اقتصادها الذي تتحكم به الدول الساندة لعدونا.
المؤتمرات ومنذ اليوم الأول لمذبحة إنسان غزة جارية الشحن كما هي العلامة التي نطالعها في اجهزتنا النقالة، بينما العدو – القاتل منشغل بتنقلات وتطويرات صفحاته الحربية مع شعب غزة، فالقمة العربية انعقدت واختتمت دون بيان ختامي والعدو بدأ بهجومه البري.
سرفات الدرع الإسرائيلي تهرس أجساد شعب غزة، نساء، رجالا، شيوخا، أطفالا، وإعلامنا العربي منقسم على نفسه، يتشظى بمتناقضاته، بينما شظايا قنابل العدو تقطع أجساد مواطني غزة، الذين يعيشون في عصر الكهوف بناء على مقتضيات حضارة الغرب التي نروج لها اكثر مما تروج هي لنفسها، فنحن من جعلها ديمقراطية بينما شعوبها تتظاهر ضدها، نحن الذين أشعنا عنها احترامها لحقوق الإنسان وحربته، بينما أحزاب الغرب تنفي ذلك جملة وتفصيلا!
أليس هي أزمة تعاني منها ضمائرنا الغارقة بأحلامها الثورية الرومانسية جدا؟ إن أزمة نعيشها اليوم ونحن نشاهد بكل صلف أجساد أطفال متفحمة، فنهرع لكتابة بيانات الشجب التي لا تهز شعرة في مفرق رأس(نتنياهو).
نحن نعيش أزمة ضمير تؤكدها مواقفنا المتأزمة حيث ننقسم بين ما يرى أن كل ما يحصل في غزة عدوان بربري، وبين ما يرى في عدونا حقا في ممارسة حقه برد فعل مشروع.
إنها أزمة ضمير دخل قاعة اختبار عسير.
ضمير لا يقبل القسمة على الاثنين، فإما أن نكون بضمير أو لا نكون بدونه، بدون شرف، بدون كرامة، بدون أي من موروثات قاموس الماضي التليد.
فالضمير يعيش أزمة حاضره.