العبور الآمِن

 نازك بدير

 في ظلّ الأجواء الحافلة بالنضال والمقاومة والثبات والدفاع عن الأرض وعدم المساومة مع المحتلّ، وأمام الملحمة البطوليّة التي يسطّرها أبناء فلسطين؛ النساء منهم والأطفال والشباب والرجال والشيوخ، انطلقت الدراسة في المدارس الرسميّة والثانويّات وبعض كليّات الجامعة اللبنانيّة.
ما حدث في السابع من أكتوبر هو حصيلة سنوات من الجهاد والتدريب والتضحيات واختراق العدو، فكان عبور المقاومين” آمنا” إذا صحّ التعبير.
لكن، العودة” التربويّة في التاسع من أكتوبر غير مسبوقة بخطّة تعافٍ، وعليه ما من مقوّمات تساعد المتعلّمين على الانخراط في العمليّة التعليميّة، فضلًا عن الفجوة الكبرى الحاصلة بسبب تأخّر المناهج عن مواكبة تطوّرات العصر، ولا ضمانات للمعلّمين.
إذًا، العودة إلى الدراسة والتعليم في مثل هذه الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة والسياسيّة والأمنيّة فِعْل مقاومة، يعيش الطالب صراعًا بين واقعه المتردّي وبين ما يحلم به وما يريد أن يكون.
طموحاته تحثّه على التضحية والمضيّ قِدمًا مهما كانت الصعوبات، لكن عندما يصطدم بالحواجز الاجتماعيّة والتقليديّة التي تحاول تكبيل معارفه والحدّ من سيل توهجّه تراه قد يحجم عن الاستمرار حينًا، وقد يمثل ذلك حافزا معاكسًا فيتمرّد ويكمل طريقه حينًا آخر.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، ثمّة مقاومة من نوع آخر يعيشها الطالب وبين يديه كتب دراسيّة صدئة (وضِعَت المناهج في العام 1997 ولم يتمّ تحديثها)
بالنسبة إلى المعلّم، ثمّة أمر يجدر الالتفات إليه؛ ليس المطلوب منه الاكتفاء بالجانب المعرفي الذي يستطيع أيّ كان تحصيله، ولا سيّما بعد الطفرة الحاصلة في المجال التكنولوجي، إنما الأمر الأساس هو الجانب الانفعالي.
يستحقّ هذا الشقّ إيلاءه الوقت والجهد.
كلما استطاع المعلم اكتناه أسرار هذاه الجانب، والإحاطة به، وإبراز أهميته، حاز على ثقة الطالب وشعر الأخير بالطمأنينة والسكينة وهدأ واستقرّ وتمكّن من المباشرة الفعليّة في الجانب المعرفي.
من المفيد بمكان أن نطمئنّ على الجانب الانفعالي للطلّاب، إذ سيكون من الصعوبة بمكان العمل والبحث والتفكير والتقدّم والعطاء والتفاعل في أجواء مضطربة انفعاليًّا.
في حين أنّ تحقيق التوازن الانفعالي سينعكس إيجابيًّا ليس على العملية التعلميّة فحسب، إنّما على الحياة بشكل عام.
ما يحتاج إليه المتعلّم اليوم يختلف عن السابق، فلكلّ مرحلة ظروفها وشروطها وخصوصيّاتها.
وسط هذا العالم المادي المتشيّء، وسط الخراب والدمار والمجازر والانتهاكات بحقّ الإنسانيّة،
يمكِن للتوازن الانفعالي أن يؤسّس عبورًا آمنًا، ويعيد بناء ما تهدّم.

 

المصدر : وكالة الانباء العراقية