الصهيونيَّة كيان الشتات

 علي المرهج

ما يُميز اليهود عن الفلسطينيين أن اليهود كانوا يعيشون حلم العودة للأرض الموعودة، فكان «الشتات» يستلهم أدبيات المفكرين «الصهاينة»، بوصفه متمنى ممكن التحقق، والمثال هو المتمنى ـ بعبارة مدني صالح ـ وما أن يتحقق المتمنى حتى يصبح واقعاً، فلا فرق بين ما هو مثالي وواقعي إلا من جهة التحقق، ولذلك كان المتمنى «المثال» اليهودي شاخصاً عندهم يعملون على تحقيقه

أما الفلسطينيون في (بلاد الشتات) وفي (الوطن المُستلب) تجدهم يعيشون في عوالم الحُلم بوصفه (مُتمنى) على سبيل الشوق والتوَق ـ بعبارة مُستعارة من مُعجمية الصوفية ـ ولكن أغلب فلسطينيي «الشتات»، إنما عملوا على التكيف في المُجتمعات التي هاجروا إليها أو نُفيوا فيها، فتعاملوا مع فلسطين (الوطن السليب) على أنه (ذكرى جميلة)!.
لم يشعر اليهود أنهم جزءٌ من البلد، الذي نشؤوا وولدوا فيه هم وآباؤهم وأجدادهم، مرة بسبب رفض دولهم لهم ومعاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وأخرى لأن هُناك قادة دينيين عندهم نمَوا لدى هذه الجماعات فكرة أنهم طائفة مُضطهدة، وأن كل يهودي إنما هو يعيش مؤقتاً في «بلاد الشتات»، التي هي ليست بلاده، وعليه أن يُحقق الوعد الإلهي بالعودة إلى (الأرض الموعودة)، فلسطين منبع الديانة اليهودية!.
واحدة من القضايا التي كانت سبباً من أسباب احتلال فلسطين كما هو معروف هي ظهور نظريات روجت للعنصرية والنقاء العرقي، مثل النازية والفاشية، وهاتان الرؤيتان السياسيتان تحملان في طيَاتهما رد فعل على فعل، بمعنى أن هناك في الأديان رؤية مماثلة، لا سيما في اليهودية التي تنظر لليهود على أنهم «شعب الله المختار» وأن «أورشليم» = «القدس» هي الأرض الموعودة، أي شعب مُختار له تميز حصل عليه بمنحة ربانية له الحق (لهذا الشعب المُختار) أن يعيش في أرض مُقدسة هي «القُدس».
ولم يخرج المسيحيون عن مقتضى هذه الرؤية في النظر، لأنفسهم على أنهم الأكثر تميزاً من باقي شعوب الأرض، فخوطب المسيحيون بالقول:»أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم»، وكذا الحال عند المسلمين، حينما خاطبهم القرآن الكريم بآي من الذكر الحكيم «كُنتم خيَر أمة أخرجت للناس».
عمل اليهود (الصهاينة) على الترويج لفكرة مظلوميتهم عبر التاريخ، بوصفهم جماعات مُضطهدة وعلى الدول العظمى مساعدتهم وانصافهم بايجاد وطن قومي لهم، وقد حصل ما نعرفه جميعاً فسعت بريطانيا بشكل جاد للبحث عن وطن قومي لليهود، أولاً لإنصافهم كما يدَعون، وثانياً وهو الأهم للخلاص منهم وتواجدهم الخطر في دول أوربا والغرب، فوجدوا في فلسطين لقمة سائغة بسبب ضعف الدولة العثمانية، التي كانت تُسمى آنذاك بـ (الرجل المريض) الأمر الذي يُسهل السطو على ممتلكاتها وانتزع بعض من الأراضي التابعة لها. أما لماذا فلسطين؟
فالأمر معروف، وذلك بسبب وجود اليهود تاريخياً على هذه الأرض.
لقد تحدى البريطانيون كل المسلمين والعرب الذين يُشكلون ما نسبته 97 % من سكان فلسطين لصالح أقلية تواجدت تاريخياً على أرض الكنانة!!، وهم الذين يصدعون رؤوسنا يومياً بالديمقراطية، التي تحترم الأقلية ولكنها تنشد رأي الأغلبية!.
عاش أغلب أهل الديانات غير الإسلامية تحت ظل الحكم الإسلامي في أرض فلسطين تعايشاً قلَ نظيره فهناك الدروز وهناك البهائية والطائفة السامرية اليهودية، فضلاً عن وجود المسيحيين قبل أن تدق بريطانيا أسفينها.
وفق مبدأ حرية انتقال الفكر وتبادل الأدوار بين الضحية والجلَاد فقد أفاد اليهود من النازية والفاشية بقدر ما استفادت كلا النظريتين من تأصيل اليهودية للنقاء العرقي.
فهذا أحد قادة اسرائيل والصهيونيَّة (أخيميئير) يُصرح علانية بأنه (فاشي)، ليكتب عموداً في مجلة دوار هايوم) بعنوان: (يوميات فاشي).
إن مشكلة اليهود الكُبرى أنهم ينظرون إلى أنفسهم، بكونهم عرقا، لذا تجدهم يتفاخرون بنقاء الدم، وليس في اليهود اليوم ما يستدعي قبول فرضيتهم على أنهم جنس خاص من البشر، وما دعواهم هذه سوى حكاية خرافية عمل عليها الغرب الكولنيالي للخلاص منهم أولاً، وزرع مكون غريب في جسد الأمة العربية لتفتيتها والعمل على تقسيمها.
والمشكلة الكُبرى أن اليهود في كل المجتمعات، التي وجدوا فيها يعملون بصيغة الجماعة المميزة عن باقي شعوبهم، لأنهم يشعرون بأن هناك كراهية يُضمرها لهم أتباع الديانات الأخرى، لا سيما المسيحية والإسلام.
وظفت هذه الرؤى كلاً من النازية والفاشية التي تجد في تنظيراتهما الأيديولوجية بعض من رد الفعل على ما يقوم به اليهود من نشر للكراهية تجاه كل دين أو عقيدة مغايرة، فكل شعوب الأرض هي أدنى من الشعب اليهودي!.