الحبيب بو رقيبة ورؤيته لحل القضيَّة الفلسطينيَّة

بعد اصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المرقم (181) في 29 من نوفمبر – تشرين الثاني عام ‏‏1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: فلسطينية ويهوديّة.. دخلت القضية الفلسطينيّة، أي الصراع ‏الفلسطيني – اليهودي ثم الإسرائيلي، مرحلة جديدة وخطيرة تختلف بطبيعتها وخطورتها وتأثيرها على ‏الأوضاع في المنطقة عن المراحل التي سبقتها، إذ تركز الصراع أولاً على رفض ومحاربة الفلسطينيين ومعهم ‏العرب لقدوم المهاجرين اليهود واستيطانهم، حتى بلغ ذلك الصراع إحدى ذرواته في ثورة عام 1936 التي ‏أنعشت أهداف وضرورة استمرار المواجهة الفلسطينيّة للمهاجرين والمستوطنين والى الجماعات السياسية ‏والمسلحة الإرهابية اليهودية، الامر الذي لفت الدول والمنظمات العالمية المعنية للتدخل وإيجاد الحلول التي ‏تراها مناسبة لوقف الصراع وسفك الدماء.
أما بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين فقد أعلنت منذ نهاية ‏الثلاثينات من القرن العشرين عن نيتها سحب قواتها المحتلة لفلسطين من دون تحديد ما سيعقب ذلك الانسحاب ‏واية جهة ستتولى إملاءه.‏
ومع تصاعد هذا الصراع ومحاولات الفلسطينيين والدول العربية توجيهه لمصلحة القضية الفلسطينية بعقد ‏مؤتمر الجامعة العربية في (بلودان) السورية وقمة (انشاص) في مصر ومؤتمر (صوفر) في لبنان.. اتسع ‏بموازاة ذلك نطاق التحركات الدبلوماسية الغربية والأمم المتحدة لتقديم التوصيات لحل هذا النزاع والصراع ‏المحتدم بين اليهود من جهة والفلسطينيين ومعهم العرب من جهة أخرى، حتى صدر في ضوء ذلك قرار ‏الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وذلك في 29/11/1947.
وإذ استقبل هذا القرار اليهود بالفرح ‏والابتهاج، عبر الفلسطينيون ومعظم الدول العربية عن رفضهم لهذا القرار بكل قوة والقيام بما يستطيعون من ‏جهود دبلوماسية وغير دبلوماسية لإلغائه، هذا بينما استغله اليهود للمباشرة بإعلان (دولة إسرائيل) في ضوء ‏هذا القرار وذلك في 15 مايو – أيار عام 1948 وقبل ساعات من اعلان بريطانيا تنفيذ قرارها في البدء ‏بانسحاب قواتها من فلسطين.
وقد تصاعدت بعد ذلك بأيام الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى، التي اعترف ‏الفلسطينيون والدول العربية المشاركة بها بهزيمتهم امام إسرائيل التي اطلقوا عليها مصطلح (النكبة).
وفي السنوات التي تلت التقسيم وقيام دولة إسرائيل وهزيمة أو (نكسة) الفلسطينيين والعرب الذين بدأوا ‏الاعتراف بضعفهم وقوة إسرائيل فقد اقتصرت مقاومتهم على مناوشات عسكرية غير فعالة، حتى أعلنت حركة ‏‏(فتح) الفلسطينية في الأول من كانون الثاني عام 1965 عن انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل‏‏.‏
غير أن إعلان حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) الثورة المسلحة ضد إسرائيل لم يمثل تحولاً ستراتيجياً ‏مهماً في الموقف العربي الفلسطيني تجاه إسرائيل، فقد استمر الجدل والنقاش الواسع بين النخب السياسية ‏الفلسطينية والعربية وقادة بعض الدول العربية التي تعتبر نفسها المعنية اكثر من غيرها لإيجاد الحلول العملية ‏والواقعية للصراع الفلسطيني العربي – الإسرائيلي، توجه من تونس إلى العاصمة الأردنية عمان وبدعوة ‏رسمية الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة حيث التقى بالملك الأردني حسين وبقادة فلسطينيين، وقد ألقى في ‏هذه الزيارة خطبة وصفت بالتاريخية أمام عشرات الاف الفلسطينيين في مدينة اريحا وذلك في 13 آذار – مايو ‏عام 1965 حيث عبر في هذه الخطبة عن رؤيته لحل القضية الفلسطينية باعتباره رئيساً عربياً (مجاهداً) ‏معنياً بمصير القضية ومكافحاً ضد الاستعمار الفرنسي طيلة 34 عاماً حتى نالت بلاده الاستقلال من ‏الاحتلال الفرنسي.‏
كانت الفكرة الأساسية لخطبته التي مهد لها إلى كفاح التونسيين ضد المستعمر الفرنسي وكذلك لكفاحه ‏السياسي الواقعي الذي افاد بلاده وهو اتباع سياسة الخطوة خطوة أو سياسة (خذ وطالب) بدل السياسة ‏المغامرة وغير العملية الفاشلة والقائلة بـ (كل شيء أو لا شيء) إذْ ضرب مثالاً عملياً لذلك بقبوله في احدى ‏مراحل الكفاح ضد فرنسا باقتراح (الحكم الذاتي) الذي شكل انطلاقة للاستقلال التام.
وبذلك يخلص إلى ‏مناشدة الفلسطينيين والعرب الأخذ بهذه السياسة والموافقة على قرار التقسيم (181) وان يبني الفلسطينيون ‏دولتهم على ما أقرته لهم الأمم المتحدة بقرارها ذلك ثم يطالبون بالمزيد، لا سيما أن الضفة الغربية وغزة كانتا ‏‏(آنذاك) الأولى تحت سلطة الأردن والثانية تحت سلطة مصر، ومن السهولة اقناعهما بتحويلها إلى سلطة ‏الدولة الفلسطينية المقترحة مع ما أقرته لهم الأمم المتحدة لإقامة دول فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
وثمة من ‏يعبر عن شديد الأسف لعدم الأخذ برؤية هذا المكافح والمجاهد والسياسي المحنك الذي أثبتت الأحداث صحة ‏رؤاه بالمطالبة الان بأقل منها، لكن من دون جدوى!!. ‏

 

المصدر : وكالة الانباء العراقية