القرار السياسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة

 زهير كاظم عبود

 

يفترض بالمحكمة الجنائية الدولية أنها مستقلة ولها علاقة بمنظومة الأمم المتحدة، وأنها مكملة للولاية القضائية الجنائية للدول الأعضاء، وأنها قامت على أساس أنها ضامنة بشكل دائم لتحقيق العدالة الدولية.
وإزاء ما يحدث من معارك وانتهاكات بين روسيا الاتحادية وبين أوكرانيا منذ فترة تجاوزت السنة، ودون أن نلمس توجها جديا ومساعي تفرضها الأخلاق والالتزامات الدولية، تقع على عاتق المنظمة الدولية، ولم يتقدم أي مشروع للسلام واللجوء إلى الحوار لحل النزاع والاشكالات بين الدولتين، ودون الخوض في أسباب النزاع القائم والظروف التي دفعت الطرفين للقتال،  وما سيتحمله كلا البلدين من خسائر بشرية ومادية وانتهاكات وأخطاء، بسبب المواجهات العسكرية واللجوء إلى القوة الغاشمة في جميع المعارك التي يتفرج عليها العالم للأسف.
وإذ تصدر الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية، قرارا بإصدار أمر القبض بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبحق السيدة ماريا بيلوفا المفوضة المعنية بحقوق الطفل في الرئاسة الروسية، ويصدر هذا القرار والحرب الطاحنة قائمة بين البلدين، وعلى أساس الاتهام الموجه للرئيس الروسي، بزعم سيطرة القوات الروسية على مجموعة من الأطفال الموجودين في دور الايتام في أوكرانيا وعرضهم للتبني في روسيا.
إن هذا الاتهام قامت الحكومة الأوكرانية بتوجيهه، بعد أن دخلت القوات الروسية إلى مناطق وأراضٍ أوكرانية في العام الماضي، وعدت المحكمة الجنائية الدولية هذا العمل جريمة من جرائم الحرب، وقبل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية هذا القرار كانت صحيفة النيويورك تايمز قد تحدثت عنه قبل صدوره.
ويحكم تشكيل المحكمة الجنائية الدولية قانون، تم التوقيع عليه خلال نظام روما الأساسي يشمل اختصاص المحكمة الدول الأعضاء الموقعة على النظام الأساسي، ولكن روسيا لم تكن من بين الموقعين على تشكيل مثل هذه المحكمة، فيأتي صدور مثل هذا الامر خارج نطاق اختصاص المحكمة ودون صلاحياتها، ومن جانب آخر فقد سبق لهذه المحكمة وإن أصدرت قرارات مماثلة بحق كل من الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، وبحق الرئيس السوداني المخلوع عمر احمد البشير، ولم تلق الاهتمام والتنفيذ من قبل أي هيئة وطنية أو دولية، انما كانت قرارات معنوية لا قيمة
لها.
النصوص القانونية التي تحكم عمل المحكمة تتطلب الإحالة للقضايا التي تعرض على المحكمة من قبل مجلس الامن وهو مالم يحصل مطلقا، ومن جانب آخر أن يباشر المدعي العام التحقيق وهو ما تنفيه الحكومة الروسية، ولا يصح مطلقا ان يجري التحقيق والبحث بوجود أحد الأطراف دون الاخر
إن قرارا بمستوى قرار توجيه الاتهام والأمر بالقبض على شخصية مثل شخصية الرئيس الروسي من المحكمة الجنائية الدولية يتطلب تحقيقا دقيقا، وأن تكون هناك هيئة تحقيقية دولية محايدة، وألا يتم توجيه الاتهام لجانب واحد من جوانب الخلاف والقتال، وان لا يتم الاعتماد على ما تنشره الجريدة الأميركية، لأن الولايات المتحدة تعد بمثابة المحرض والمشارك الفعال في هذه الحرب إلى جانب الحكومة الأوكرانية.
وإذ تكشف المحكمة الجنائية الدولية عن موقف سياسي يميل إلى أحد اطراف القضية مما يبعدها عن حيادتيها ويضعف مركزها القانوني والدولي، ويدفعنا للشك من خضوعها لأطراف دولية تبعدها عن دورها في المحافظة المفترضة، وأن تكون قراراتها متزنة ولها قيمة قانونية وقضائية قابلة للتنفيذ  ومقبولة وتصب في صالح تحقيق العدالة، والأهم أن تكون سارية على الأعضاء الموقعين على نظام روما المؤسس للمحكمة أو الدول التي قدمت طلبا للانضمام إلى المحكمة المذكورة.