الحرب العالميَّة القادمة قائمة

أ.د عامر حسن فياض

 

عالم اليوم هو عالم انتقل من صراعات الكبار المتقابلة إلى صراعات الكبار المتخاتلة، وهي صراعات مركبة هجينة معقدة غامضة وغير يقينية النتائج، بيد ان وقودها الصغار وشعوبهم وتجارها الكبار دون شعوبهم.

وعلى رأي المفكر الأميركي (صموئيل هنتجتون) في مقالته ثم كتابه الذي يحمل عنوان (تصادم الحضارات)، فإن العالم كان ولا يزال محكوما بالصراعات، وآخرها الصراع بين الحضارات.. وان الصراعات انفجرت برغبات ونزوات الملوك والاباطرة والامراء بعد وستفاليا 1648، وبين رموز الامم والقوميات بعد الثورة الفرنسية، وبين تحالف النازية والفاشية ضد الغرب الرأسمالي الغربي والشمولية الشيوعية اثناء الحرب العالمية الثانية، وبين الشمولية الشيوعية والليبرالية الغربية أثناء الحرب الباردة، لتصل إلى حروب قائمة بين الغرب وبقية العالم.
ومن نوادر زمان عالمنا المعاش تنمر تايوان على الصين، بينما ترى الصين في كل الرأسمالية التي تحتضن تايوان نمراً من ورق !.. ومن نوادر زمان عالمنا أن أوكرانيا تناطح روسيا بقرون من خشب.. وأن اسرائيل تتمرد على الولايات المتحدة الأمريكية، متناسية أنها لا تزال غير مفطومة من الثدي الامريكي المسلح بالمال المنهوب والأسلحة الفتاكة والعنصرية القاتلة.
في عالم تعيش فيه كثرة شعوب خيرة مبعثرة وقلة عصابات شريرة منظمة ماعادت الحرب العالمية الثالثة قادمة، بل هي قائمة بعد أن أصبحت مصداقية الامم المتحدة في مهب الريح، عندما دب الخلل والعطل في تشكيلاتها كافة، وسط بورصة حروب وأسواق ارهاب تزدهر.. وسط معامل صناعة وشركات تجارة سلاح تتقدم وتنتشر.. وسط مسارات سلام تتراجع وتتقهقر.. وسط أمن غذاء عالمي يهدر..
إن الحرب العالمية الثالثة قائمة، ولم تعد قادمة بوجود أوروبا الخرفة، التي لا تجيد غير التورط في شراك الرأسمالية الغربية المتوحشة والملغمة بالمصائد الأمريكية لحساب قوى يمينية فاشية جديدة ونازية متجددة في أوروبا.. وهي حرب قائمة وليست قادمة لحساب جماعات ارهابية متأسلمة، يتم تشغيلها بعناية امريكية اسرائيلية في بلدان الشرق الإسلامية وغير الاسلامية.. وهي حرب قائمة وليست قادمة لحساب تطرف يميني صهيوني ديني معولم.. أما ما حصل ويحصل في اسرائيل فهو صراع ما بين طرفين صهيونيين احتلاليين، هما الطرف الصهيوني الديني والطرف الصهيوني العلماني، فان انتصر الطرف الصهيوني الديني سيضر بالقضية الفلسطينية، وإن انتصر الطرف الصهيوني العلماني سوف لا ينفع القضية الفلسطينية، وبكل الاحوال فإن العصيان المدني والتظاهر الاحتجاجي الذي حصل داخل اسرائيل، يعبر عن شرخ عمودي وافقي في هذا الكيان، كما أنه يكشف خدعة الديمقراطية التي سوقتها اسرائيل للعالم عن نفسها.. ويبقى الثابت في اسرائيل وفي عالم الشمال الرأسمالي المتوحش متمثلاً بغير المسموح لحرب أهلية بين أطراف الصهيونية داخل الكيان وخارجه، وغير مسموح تفتيت المؤسسة العسكرية والامنية داخل الكيان. اما حملة الجنسية العربية من المطبعين فإنهم وسط هذه الحرب العالمية القائمة، بلعوا السنتهم رافعين أياديهم مرة بالاستسلام ومرة بالدعاء من اجل بقاء كراسيهم وعروشهم سواء انتصرت أو انهزمت جبهة الشعوب الخيرة أو جبهة القلة الشريرة.
نعم نحن نعيش اليوم عالما جفت فيه الاخلاق وتصحرت الوطنية وتنمر الفساد ورحلت عنه الانسانية.. عالم تسيد فيه المتعطشون للدماء والمال والرذيلة.. عالم تبددت منه الاحلام وعمت فيه الكوابيس.. عالم أصبحت فيه الخيرات استثناءً والشرور قاعدة.. ولكن رغم كل ما تقدم فان هذه المرة وبهذه الحرب العالمية القادمة، فإن العالم يتغير ليس لصالح قطب واحد كان يتحكم في التغيير واللاتغيير، بل سيكون لصالح شعوب أقطاب متعددة.